اليوم تعلمتُ درساً جديداً في الإنسانية

اليوم تعلمتُ درساً جديداً في الإنسانية

اليوم تعلمتُ درساً جديداً في الإنسانية

اليوم تعلمتُ درساً جديداً في الخدمة الاجتماعية، على يد ابنتي تاليا ذات الخمسة!
إنه درس في غاية الصعوبة. فقد راعها مشهد طفلة في مثل عمرها، وحيدة، رثة الثياب، مكسورة الجناح، تستجدي عطف الناس وكرمهم.
تساءلت تاليا بمرارة أليس عند هذه الطفلة أم ترعاها، أم أن والدتها لا تعيرها ما يكفي من الاهتمام؟
لم تقف تاليا عند هذا الحد، بل قدمت لها جزءا من مصروفها (1000 ليرة) وأعطتها مع بعض الكعك الذي كانت تتناوله، مبررة تصرفها بأن تلك الطفلة بحاجة لمن يهتم بها بدلا من اهلها.
زاد ذهولي في تلك اللحظة الحميمة، أنها ضمتني اليها وقالت حمدا لله لأن لي أماً ترعاني وتحبني!
استوقفني موقفها طويلا. ولم استطع ان اغالب دموعي.
ابنة الخمسة أعوام أحست بالظلم الكبير الذي تعيشه طفلة لا ذنب لها الا أنها ولدت لأسرة لم تستطع أن توليها الاهتمام الذي تحتاجه والحب الذي تنتظره.
ابنة الخمسة أعوام شعرت بالألم والفاقة اللذين تعيشهما تلك الطفلة الملقاة على قارعة الطريق في مواجهة المجهول.
ابنة الخمسة أعوام علّمتني معنى جديدا واضافت بعدا آخر على مهنتي واختصاصي وشغفي، كمتخصصة في العمل الاجتماعي، وممارِسة له: بُعد انساني شفاف يحمل اسمى معاني الانسانية الحقة بعيدا عن لوثات هذا الزمن.
العشرات بل المئات والالاف من المشاهد المتشابهة تطالعنا يوميا.
وهي في اغلبها تخفي ما هو اعظم من الفقر وقلة الحيلة، الى استغلال الطفولة بأبشع الصور والزجّ بها في أتون الجشع والكسب غير المشروع الذي يقف خلفه أشخاص ومجموعات وربما يتعداهم الى مافيات امتهنت ابتزاز الناس واستغلال عواطفهم من خلال هؤلاء الاطفال في كل مكان.
عندما احتضنتني تاليا، استشعرت اهمية الخوض في غمار هذه الظاهرة الخطيرة اللاأخلاقية، واهمية هز الضمير الانساني ورفع الصوت في وجه كل من يستغل الاطفال او من يبخسهم حقوقهم.
كلنا بحاجة للوقوف في وجه هؤلاء.
كلٌّ منا قادر على التأثير والتغيير. كلٌّ في موقعه، ومهما كان التدخل بسيطا فلربما يترك اثرا عميقا في حياة طفل كل ذنبه أنه ولد لأسرة لم تعرف معنى الطفولة إن لم نقل انها تعامل اطفالها كسلعة في سوق النخاسة.

m2pack.biz