مفارقات معرض الكتاب في الدار البيضاء

مفارقات معرض الكتاب في الدار البيضاء

مفارقات معرض الكتاب في الدار البيضاء

في ظل السبات العميق الذي تعاني منه الحركة الثقافية في المغرب، في علاقة مع المشاكل العميقة التي يعاني منها اتحاد كتاب المغرب، المتخبط في مشاكله التنظيمية، الذي يصر على الاستمرار في أداء مهام وهمية في مكتب فاقد للشرعية، بسبب مرور أكثر من عامين على نهاية فترة انتدابه، ما يجعله مشلول الإرادة وباهت العطاء، بالإضافة إلى التغيير الذي طال الوزارة على مستوى هرمها، بعد تنصيب الحكومة الجديدة، وتعيين وزير جديد، بادر في أول قراراته إلى إيقاف دعم الكتاب في انتظار «تدقيقه»، كما جاء على لسان الوزير نفسه لتبرير هذا التوقيف.
في ظل كل ذلك يبقى المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء الفرصة الوحيدة، التي تعلن فيها الثقافة المغربية عن نفسها، من خلال زخم ثقافي مثير للانتباه، دفع كثيرا من المتتبعين إلى اعتباره دخولا ثقافيا حقيقيا، حتى إن أتى في غير أوانه، يتعرف من خلاله الكتاب على الخصوص والقراء عموما على جديد إصدارات دور النشر المغربية والعربية، كما أنه يمثل مناسبة للحوار والنقاش ولو جانبيا بين المبدعين، من أجل بلورة مشاريع ثقافية، بعيدا عن أعين المؤسسات الثقافية العاجزة عن اجتراح تصور واضح يمضي بالمجال الثقافي قدما نحو الأمام. لكل ذلك ولغيره، حين يحين الموعد السنوي لمعرض الكتاب تشرئب أعناق الكتاب نحو مديرية الكتاب، التابعة لوزارة الثقافة، التي تسطر البرنامج الثقافي الموازي لفعاليات المعرض، للتعرف على محتويات البرنامج، والاستعداد لقضاء عشرة أيام من العطاء الثقافي المختلف، والجميع تحدوه الرغبة للمشاركة في هذا العرس الثقافي بشكل من الأشكال. غير أن الصدمة هذه السنة كانت قوية، تجلت في ردود الأفعال المستنكرة لمحتوى البرنامج شكلا ومضمونا، فالمطلعون على برنامج هذه الدورة لا شك ستستوقفهم مجموعة من الملاحظات، التي تشكل مفارقات حقيقية، يمكن إجمالها في ما يلي:
– المفارقة الأولى:
في الوقت الذي ينتظر الكتاب أن يكون المعرض الدولي للكتااب في الدار البيضاء عرسهم الثقافي السنوي المنتظر، الذي يكون فرصة سانحة لعرض مستجداتهم الثقافية، من خلال البرنامج الثقافي الموازي، يفاجأون بطغيان أسماء بعيدة كل البعد عن الكتاب وهمومه، أشخاص لا يتوفرون حتى على كتاب واحد، ومع ذلك سيؤثثون الندوات بحضورهم النشاز، فيما يغيب كتاب حقيقيون لهم رصيد كبير من الكتب، كما يتمتعون بحضور ثقافي مهم وطنيا وعربيا من قبيل سعيد يقطين والعربي بنجلون وعبد الواحد كفيح.
المفارقة الثانية:
يعد معرض الكتاب محطة أساسية لإبراز الوجه الثقافي للمغرب، من خلال إصدارات الكتاب والندوات التي يعقدونها بعيدا عن هيمنة البعد السياسي، بل السياسوي الذي يكون صوت أصحابه مرتفعا طول العام، حتى أن الناس ملّوا نعيقهم، الذي يفتقد إلى العمق، بل غالبا ما يكون وسيلة لمزيد من الاستيلاء على المكاسب المادية، بعيدا عن الانشغال بهموم الغالبية الساحقة، فإذا بهذه الأصوات النشاز التي ملها الناس وطفقوا ينسجون حولها النكات، تتسلل خلسة إلى البرنامج الثقافي، محتلة بذلك أماكن، لا شك في أن الكتاب أولى بها.
المفارقة الثالثة:
من البديهي أن وزارة الثقافة ملك لجميع المغاربة، بما يحتم على المشرفين على البرنامج الموازي لفعاليات معرض الكتاب أن يأخذوا بعين الاعتبار نوعا من التمثيلية على مستوى المدن المغربية، حتى لا يكرسوا مقولة المدن المهمشة وعبارة المغرب النافع وغير النافع. لكن العكس هو المهيمن والمتجلي من خلال البرنامج، ويكتسب هذا الأمر مصداقيته من كون عدد من المدن المغربية الفاعلة ثقافيا بجمعياتها الأهلية ومثقفيها ومهرجاناتها تجد نفسها خارج البرنامج الثقافي، بينما هناك مدن لا نكاد نسمع عن نشاطها الثقافي شيئا تنال الحظوة في البرمجة لأسباب بعيدة عن الأهلية والكفاءة.
المفارقة الرابعة:
يفترض في وزارة الثقافة أن تمحو النظرة السائدة عن المرأة داخل المجتمع، وذلك من خلال تمتيعها بنوع من التمييز الإيجابي، الذي يترجم في ندوات تعطى فيها للمرأة الكاتبة الحظوة التي تستحقها، بعيدا عن الإقصاء والتهميش، الذي يبدو جليا من خلال تفاصيل البرنامج البائس الذي نشرته مديرية الكتاب في وزارة الثقافة.
المفارقة الخامسة:
حين يمتلك أي مشروع مصداقية ما، فإن المثقفين سرعان ما يحتضنونه ويدافعون عنه، ويروجون له على أكثر من صعيد، خاصة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ما يلاحظ أنه ما إن تم الإعلان عن البرنامج، حتى جاءت تعليقات الكتاب من شتى المشارب والأجيال تنتقد تهميشه للطاقات الحقيقية، مقابل حشوه بالوجوه نفسها التي إن كان بعضها يستحق الحضور، فإن بعضها الآخر يفقد الكفاءة والرصيد الثقافي الذي يجعله حاضرا كل سنة باصرار غريب.
وهكذا في الوقت الذي ينتقد الكتاب البرنامج ويتبرأون منها نجد أشخاصا محدودين معروفين لدى الخاص والعام بتأجير أقلامهم، يحاولون بدون حماس صادق، تلميع صورة وزارة الثقافة باجترار عباراتها الخشبية المتكلسة التي ضمها برنامجها الكئيب في هذه المحطة، التي يبدو أنها أضاعتها حتى قبل أن تنطلق أطوارها.
٭ كاتب مغربي
مفارقات معرض الكتاب في الدار البيضاء
مصطفى لغتيري

m2pack.biz