الصيغ الجمالية في الواقع الفلسطيني للتشكيلي نياز المشني

الصيغ الجمالية في الواقع الفلسطيني للتشكيلي نياز المشني

الصيغ الجمالية في الواقع الفلسطيني للتشكيلي نياز المشني

الرباط «القدس العربي» من محمد البندوري: تشكل التقنيات المختلفة والتوظيفات الواقعية للتشكيلي نياز المشني أحد أهم الدعامات الأساسية في عملية بناء أعماله التشكيلية، حيث يتخذ من الطبيعة والشخوص الفلسطينية أدوات لتحريك الفضاء، وفق الواقع وما يحتويه من وقائع، فينسج تفاعليات فنية بين كل مكونات أعماله، بدءا من الكتل اللونية التي تنبض بتدرجاتها المتباينة، ومن الشخوص والبورتريهات التعبيرية، التي تتمظهر هياكلها الواقعية جلية في الفضاء.
ويتبدى الأسلوب الواقعي المدجج بالتعابير الفلسطينية والمعاناة اليومية بارزا من خلال الألوان والأشكال والبورتريهات المتفاعلة مع الواقع في شموليته، لإبراز أهم المضامين وتأكيدها داخل الفضاء البصري. وعلى الرغم من تعددية المسالك التعبيرية التي تحكمها الواقعية، إلا أن المبدع يسعى إلى رسم أسلوب تعبيري رهين ريشته الفنية ليس غير، وهو وإن كان يرسم وفق واقع معين، فإنه يوظف الكثافة اللونية ليستند إلى الواقعية التعبيرية ذات المعالم الإنسانية والروحية، إنه تموقع لوني وأسلوب متفرد يجر إلى ميزات تشكيلية يرومها لبسط جملة من العلائق بين مختلف العناصر المكونة لأعماله، بل ليحقق نوعا من التوازن الإبداعي بين المادة الواقعية الحمالة لعدد من المضامين والمادة التشكيلية الحمالة لعدد من الجماليات، وهذا ينم عن بلاغة معينة وعن نسق حسي جدير بالمتابعة النقدية، بل إن ذلك يكشف عن قدرة الفنان الإبداعية وتفاعله مع هذا الأسلوب الواقعي التعبيري، الذي أضحى قيمة جمالية ناتجة عن استلهامات معرفية وفنية من عناصر الفن وغاياته ومن الواقع الفلسطيني ومحتوياته. إن أعماله تحمل خصائص فنية نوعية، تسعف المضامين التي يشتغل عليها، فهو يرصد العلاقة بين مكونات أعماله بما تتيحه من تداخل بين المواضيع والمجال الفني، فيكتسي فسحة جمالية في أحايين كثيرة، باعتبار أن الوظيفة البنائية والدلالية يؤطرها جانب الشكل واللون، حيث يوظف الألوان بطريقة تناسقية تتفاعل مع مضامين أعماله، ويسخر الفضاء لبناء المجال اللوني لتفعيل المضمون وتقوية جدليته مع مختلف العناصر والمكونات الأخرى من أشكال وعلامات.. إنه يثبت تشكيليا ما يحمله من تقنيات خاصة للتعبير عن تصوراته وأفكاره النابعة من الواقع، تبعا لنسق الحياة الفلسطينية التي تؤثر في إبداعاته، وكذلك المجالات المعرفية والفلسفية التي تعكس أفكاره من جهة ورؤى المجتمع من جهة أخرى. إنه بكل ذلك يصنع ابتكارات من حسن اختياره، سعيا لإرساء تخصص مبني على ضوابط واقعية لها مضامين محددة. إنه مسار متشعب في التشكيل، محكوم بالاستمرار وتجديد التقنيات والتنويع في الرؤى الجمالية. ولأن المادة الفنية في مجملها تروم صناعة مجموعة من العلاقات التحاورية، لبسط الأشكال التعبيرية المغايرة للمألوف؛ فإنه يؤطرها بمجموعة من التقنيات والأدوات والاستعمالات الرمزية والعلاماتية. فاعتماد الشخوص والبورتريه يروم التعبير وفق نسيج لوني ورمزي وعلاماتي، يتم توظيفه وفق أبعاد جمالية وقيم إنسانية، بطرق فنية يتوخى من خلالها بسط الصيغ الجمالية المحلية، باعتبار واقعية الشخوص التي يجعل منها أدوات أيقونية تفصح عن دلالات ورؤى ومعان متعددة، خاصة أنه يعبّر عن خلجاته وهواجسه وشعوره وأحاسيسه بسحر فني يضمر أبعادا فلسفية وقيمية، تتفاعل مع مقومات العمل التشكيلي المعاصر، وتنسجم مع سياق المجال الواقعي التعبيري الذي يشتغل عليه. إنه مجال الفنان نياز المشني الخصب، الذي يحتوي مجموعة من المعارف التشكيلية والمعالم الفنية والذوقية، التي تندرج ضمن نسيج ثقافي واجتماعي، مدجج بالمضامين والتعابير، يتحكم المبدع في تدبيره وإدارته رسما وتعبيرا. وهو ما يعِد بنوع من الارتقاء والابتكار المستمر في العمل الإبداعي لديه.

m2pack.biz