اللافت والطريف في «أن تسافر» للمغربي العربي بنجلون

اللافت والطريف في «أن تسافر» للمغربي العربي بنجلون

اللافت والطريف في «أن تسافر» للمغربي العربي بنجلون

يتميز محكي السفر بحضور مكوني الوصف والسرد اللذين يتمظهران فيه عبْر عنصرين مميزين للنصوص الرحلية وهما: أولا المغامرة المتعلقة بالتجربة الشخصية للرحالة في فعل السفر، وما عاشه من أحداث وما وقع له من نوادر وطرائف ومغامرات، وثانيا المعرفة وبوابتها وصف الكاتب وجرده للافت من الأشياء والأشخاص والأماكن في مسار رحلته.
ويلاحظ القارئ المتتبع لمحكيات السفر المعاصرة، سمة لافتة تطبعها ألا وهي تقلص مساحة الوصف، مقابل توسع مساحة السرد. ويمكننا أن نرجعها إلى الأهمية التي صارت تحظى بها الذات الساردة، وتجربة سفرها التي صارت رهان المحكي، بعد أن صار العالم معروفا، وغدت معرفته في المتناول، فلم يعد رهان الرحالة السفر من أجل معرفة البلدان، كما كان الأمر بالنسبة للرحالة القدامى، وإنما أصبح فعل السفر سفرا للذات التي جعل منها الرحالة المعاصرين مرتكز المحكي.
ومن بين كتابات أدب الرحلات المعاصر التي حرصت على الإبقاء على التوازن في الحضور بين مكوني الوصف والسرد في بناء محكيها، نجد كتاب «أن تسافر» للكاتب المغربي العربي بن جلون المختص في أدب الأطفال، والذي جاء متميزا بتوازن ملحوظ بين مكوني الوصف والسرد، عبر إيلاء الكاتب اهتمامه إلى اللافت من المشاهدات للأماكن وللأشخاص، وللطريف مما وقع للرحالة من مواقف باعثة على التندر خلال أسفاره، حرص الكاتب على نقلها في قالب نوادر، أو بلغة أخرى قدم تخييلا للذات المسافرة عبر توظيف النوادر التي سمحت له بالتعبير بحرية، وجعلت المحكي يقترب في كثير من محطاته من الرواية والتخييل، إذ يقدم الكاتب نفسه من خلال عدة رحلات، ساردا لمغامرات، تجعلنا نراه وكأنه شخصية ذهبت بشكل مقصود لتعيش أحداثا متنوعة وطريفة. ومما سمح بهذا التوازن بين الوصف والسرد هو تأثر الكاتب بتخصصه، الذي راكم فيه حصيلة مهمة جعلته من أبرز كتابه في المغرب، وهو قصص الأطفال، يتعلق الأمر بجنس أدبي يتطلب من كاتبه الحرص على الجمع بين إفادة قارئه الناشئ وتثقيفه وتكوينه، وتسليته وإمتاعه، ولا يتأتى تحقق هذين المطلبين إلا عبر مكوني الوصف والسرد؛ وصف اللافت وسرد الطريف.
وكتاب «أن تسافر» ثمرة رحلات متباعدة في الزمان، في مجموعة من البلدان (مصر، ليبيا، الأردن، الكويت، البحرين، تونس، قطر، اليابان، ألمانيا، هولندا، فرنسا) حاول الكاتب استعادتها، انطلاقا مما سمحت به إمكانات ذاكرته، مع إقراره بخداعها وتمنّعها. لكن المسوغ الذي جعل العربي بن جلون يعول على ذاكرته، كون محكي سفره يرتكز على اللافت والطريف، ونحن نعلم أن الأمور اللافتة والأحداث الطريفة تبقى حية وعالقة في الذاكرة مهما تقادمت. وإخلاصا منه لثنائية الوصف والسرد، عمل العربي بنجلون على تأسيس محكي سفره على التناوب بين اللافت والطريف. حاول الأول رصد المثير في السلوك البشري، أو في طبيعة البلدان ومعالمها الحضارية المختلفة عن بلده، الذي أنيط الوصف والجرد بالتقاطه باقتصاد لغوي كبير موجّها بحس تعليمي واضح، يجعل الرحلة محكومة بالفائدة والتثقيف ويدعو القارئ إلى مشاهدة «ما لم تره عيناه أو تسمعه أذناه من قبل»، بحس نقدي أحيانا يرصد خصوصيات المعالم الثقافية وكذا تحولات الأماكن.
أما الثاني فقد التقط طرائف ونوادر الذات المسافرة، وتولّى السرد استحضاره، وهنا يسمح محكي السفر للكاتب بالحديث عن حميميته وما عاشه من طرائف ونوادر خلال فعل السفر، والتي يكون لها دور وهو أنها ضامنة لمشروعية المكتوب، وكذلك ضامنة للمقروئية من خلال رهانها على تسلية القارئ بما تحتويه من نوادر وورطات ومآزق في عدة مواقف ومحطات من هذه الأسفار، وكيف كان الرحالة يتحايل للخروج منها مثل واحد من أبطال قصص الأطفال، نوادر مميزة بمسحة ساخرة تبرز في كثير من الأحيان معيقات السفر وعراقيله، وتفصح عن مواقف الكاتب ونقده لمجموعة من الأمور.
٭ كاتب مغربي

m2pack.biz