انطباعية لونية تقليدية تخترقها حداثة ميزتها التلوث… أسامة بعلبكي يقدم أعمالاً تجمع بين الحاضر والماضي

انطباعية لونية تقليدية تخترقها حداثة ميزتها التلوث… أسامة بعلبكي يقدم أعمالاً تجمع بين الحاضر والماضي

انطباعية لونية تقليدية تخترقها حداثة ميزتها التلوث… أسامة بعلبكي يقدم أعمالاً تجمع بين الحاضر والماضي

بيروت «القدس العربي»: اللون مع الفنان التشكيلي أسامة بعلبكي يحث على التوقف عنده، خاصة حين يتلازم مع أفكار تعيدنا إلى بدايات نحنّ إليها. بدايات فيها انصهار بأمكنة فيها فيض من الطبيعة، وبعض نقاء. إنما ينسحب لونه بشكل عام باتجاه الزوايا المستقرّة والرسمية، إن صح التعبير، بحيث يبدو لونا غادر منطقة الفرح المنفلت من الضوابط. هو انطباع أولي يرتسم في الذائقة بمجرد أن يسرح النظر بين لوحاته ال14، وفيه انحاز للوحة الكبيرة.
فظهرت أفكاره التي نحن حيال التبصر فيها مكتملة الخطوط الكبرى وناضجة، وتبحر بعيداً في التفاصيل. في كاليري أجيال عرض بين 12 كانون الثاني/يناير و6 شباط/فبراير مجموعة من لوحاته المنجزة بين 2014 و2015 من الإكريليك على قماش. رسم بعلبكي الواقع، وأطلق على معرضه عنوان «أطياف الواقع». لم يغادر شغفه بالبورتريه في أكثر من لوحة، بدءاً من ذاته، مروراً بآخرين وصولاً إلى التحية لبودلير، الشاعر الفرنسي الذي شكل رمزاً للحداثة في القرن التاسع عشر، استحق بريشة بعلبكي محرك الحاسوب «السهم» وعلى جبينه.
أما في رسمه لذاته فقد اختار الفنان أن يقدم نفسه بنظرة ال«سيلفي» داخل أحد المتاحف. هي نظرة ال«سيلفي» التقت مع تقنية رسم ذات منحى نحتي واضح، وبالأبيض والأسود. مع ذات الفنان أو مع الآخرين يرى بعلبكي ما يجذبه إلى البورتريه الذي يظهر «جوانية» من يقصدهم من دون ألوان. ومع رسومه تلك يحرص على جمع أطياف الماضي والحاضر في مساحة واحدة.
في معرضه «أطياف الواقع» يلتزم الفنان بتقنيات رسم الطبيعة، وينهل مما تمنحه له من أفكار من دون حساب. لكن الطبيعة التي نعاينها في موضوعات بعلبكي ليست تلك البراءة الكلية النازلة إلينا من شفافية عهدناها قديماً، بل هي طبيعة تخترقها الحياة اليومية القائمة في عصرنا. بيروت التي خصّها بتحية المساء، وجدها ورشة بناء، تخترقها الرافعات الحديدية الضخمة، وخلت من أي تعبير آخر.
وحده اللون الذي جمع بين الأصفر، الأزرق والبرتقالي كانت له كلمته الفصل في ذاك الخطاب الفني العمراني المباشر والجاف. في لوحة أخرى كانت القرية بكراً كما نعرفها تماماً لدى الانطباعيين الأوائل. بيتان من قرميد، طريق بدائي، تلال، أشجار وغيوم. وحده عمود الكهرباء الأصفر والشريط الممتد منه يذكرنا بالزمان الذي نحن فيه، وأننا حيال واقعنا. كذلك هو الحال في أكثر من عمل انطباعي لبعلبكي حيث الأبنية ذات الطبقات المتعددة تخترق التلال والوديان، وكأنها على تنافر معها، إن لم نقل صراعا.
وحدها النزهة بين أشجار الصنوبر نجت من أي مشهديات حديثة، واحتفظت اللوحة ببكرية المكان. في الطبيعة التي يقدمها لنا بعلبكي يلتقي الضدان في مكان خفي، هو التماس بين الهدوء والثورة إنما ضمن حدود تقع في مرمى السيطرة. حضرت بيروت ثانية في لوحة من دون عنوان. انساب ماء البحر من جوف صخرة الروشة، وفي أعلى كان ذاك التناقض المشهدي الملوث للنظر، هي الأبنية الشاهقة وكأنها تتحدى البحر. التلوث البصري شاسع ومن كل لون وصنف. وصل إلى الجبال عبر السيارات العتيقة المركونة هنا وهناك، وهذا ما أعلنته بعض من أعمال الفنان.
يحادث بعلبكي الطبيعة بما فيها من سماء وغيوم. ينحاز إلى اللونين الأصفر الباهت والأزرق الداكن، ويضعهما على خلفية سوداء. هي طبيعة قاتمة، شتوية وباردة، تتقاتل فيها الغيوم وتتضارب بصمت وهدوء. تحت هذا العنوان، تقول لوحاته بعاصفة مقبلة من دون شك. هو التوقع والحركة التي تميز كل عمل قدمه في معرض «أطياف الواقع». لكن ميزته الأساس محاكاة الماضي والحاضر معاً من دون إعلان موقف من أي منهما.
زهرة مرعي

m2pack.biz