أخيرا… لم يقلها بوب ديلان
بعد أسبوعين من صمته أعلن بوب ديلان عن احتمال قبوله بجائزة نوبل للآداب التي مُنحها ووعد بأن يكون هناك في استوكهولم يوم العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر ليتسلّمها من الملك غوستاف السادس. لكن ما قاله ديلان لم يكن حاسما، لا في رأي صحيفة «التلغراف» البريطانية التي أجرت معه الحوار ولا لدى صحيفة «نيويورك تايمز» التي أعادت نشر ما ورد فيه ومعلّقة عليه في مقال كتبه بنّ سيزاريو. الصياغة التي اقترحتها الصحيفتان، والتي استُخلصت مما قاله ديلان هي على الشكل التالي: «بوب ديلان سوف يقبل، فعليا، بالجائزة التي مُنحها.. ربما». هذا الإقرار بقي في حيّز التخمين إذن، إذ لم تحصل أمانة الجائزة بعد على جواب منه، بعد أسبوعين من إبلاغه عن طريق الإعلام الذي لا يكنّ له بوب ديلان أيّ مودّة.
ذاك أنه، كما أصبح معلوما، رفض أن يجيب على هاتف أمينة اللجنة المانحة للجائزة، وهذا ما جعل أحد أعضائها يصف تصرّفه ب»المتعجرف وغير اللائق»، بعد أن كانت اللجنة قد وضعته في مصاف شعراء اليونان التاريخيين مثل هوميروس وسافو.
فهذان، بحسب سارة دانيوس أمينة الجائزة، «كتبا النصوص الشعرية بهدف وصولها إلى الناس، عبر أن تؤدّى، وحتى بمصاحبة الآلات الموسيقية، وهذا كان حال نصوص بوب ديلان. لكننا ما نزال نقرأ ما كتبه هوميروس وسافو، ونستمتع به. والحال نفسه ينطبق على ديلان.. يمكن لنصوصه أن تقرأ، بل وينبغي أن تُقرأ».
هكذا رجعت أمينة جائزة نوبل إلى أكثر الأزمان بُعدا لتجد ما تقوله إزاء اختيار اللجنة للمغني والموسيقي والفنان التشكيلي والراغب في هوايات أخرى ذكر بعضها لمحاورته في صحيفة «التلغراف». كان على اللجنة أن تبتكر عناصر غير تقليدية لاختيارها بوب ديلان لجائزتها، وأن تأخذ في الاعتبار أن ما ستعلنه سيؤديّ إلى الكثير من السجال، بما يتعدى ما يجري عادة في كل سنة. ولن يكون المنتقدون هم الكتاب المنتظرون تسميتهم للجائزة، سنة بعد سنة غالبا، وخصوصا كتاب أمريكا الذين يرون أن نوبل محجوبة عنهم منذ 1993، سنة نيل توني موريسون لها، وإضافة إلى هؤلاء كتاب العالم جميعهم، أقصد أولئك الذين كتبوا نصوصهم لتُقرأ لا لتؤدّى أو لتغنّى، أو على الأقلّ لتُقرأ أوّلا.
ثم أنها، حسبما يعتقد متابعوها، جائزة تُمنح لجماعة الأدب، أو لمجتمعه حسب تسمية اقترحها أحد الأفلام، بما يعنيه ذلك من توصيفات لصورة الكاتب انشغل الأدب كثيرا بالبحث في خصائصها. هذه المرّة أعطيت الجائزة إلى من هو خارج مجتمع الكتاب، إلى من لا تنطبق عليه تلك التوصيفات التي من بينها العزلة والانكباب وطول التأمّل والانصراف عما قد يُلهي عن الكتابة، التي بينها أيضا ما يخالف سيرة بوب ديلان لجهة شهرته وثرائه (حيث قدّرت إحدى الصحف ثروته بمليار ونصف مليار دولار، وهذا ما يجعل المليون دولار قيمة الجائزة غير مغرية). أعطيت الجائزة إذن لواحد من غير الحالمين بها، ولمن لا يرى بحال أنها نهاية سعيه في الحياة والفن، بل أنه أبدى عدم اكتراثه بها فانشغل عنها أسبوعين كاملين (حتى حينه) بالتحضير لمعرضه التشكيلي الذي سيقيمه في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول.
ومن تعاليه على الجائزة أيضا ما جاء في مقالات بعض الكتّاب من أنه ثأر لإبعاد الكتّاب الأمريكيين عنها خلال السنوات الثلاث والعشرين الماضية. «كأنه لا كتابة ولا كتّاب في أمريكا» كتب أحدهم من دون أن يلقى ردّا إلا ذاك الذي قالته أوراس أنغوال التي كانت أمينة الجائزة: الكتّاب الأمريكيون غائبون عن المشاركة في الحوارات الكبرى الجارية في العالم.
سيحضر بوب ديلان، قد يحضر، ربما لا يحضر. حضوره أو عدم حضوره سيكون أكثر أهمية من الجائزة نفسها. ذاك أن ديلان الذي لم يُبقِ خبر فوزه أكثر من 24 ساعة على صفحته الإلكترونية، ما زال لديه الكثير ليشعر لجنة نوبل، ومعها أدباء العالم الحالمين بجائزتها، ومعهما حاضر الأدب المتراجع بوتائر سريعة، بأنهم روّاد فنّ مغلوب. لم يعد الزمن كما كان حين أعلن جان بول سارتر، في 1964، رفضه قبول الجائزة. آنذاك قال سارتر بأن الجائزة تقيّد حريته، تمأسسه أو تؤطّر فكره أو تجعله، من منظور ما، قابلا بالانتساب إليها. ما فعله بوب ديلان كان أكثر إيذاء لسمعتها. لقد استخفّ بها وازدراها، بل وهو أصاب بازدرائه ذاك كتّابا عدّدت الصحيفة أسماءهم في دعوة اللجنة بوب ديلان للانضمام إليهم، وهم جورج برنارد شو وتي. أس. إليوت وونستون تشرشل (الذي ما زال منحه لها مثار جدل مستمر) ووليم فوكنر وغونتر غراس وأرنست همنغواي وهارولد بينتر.
روائي لبناني