أزمة الإعلام الثقافي الرقمي في المغرب
يبقى سؤال العلاقة بين وسائل الإعلام والثقافة سؤالاً ليس من قبيل الترف الفكري، بل كان دائماً سؤالاً أساسياً، إذ أن المنتوج الثقافي بمختلف تجلياته الإبداعية والفكرية في حقول الآداب والفنون بشكل عام لن يحقق قيمته المضافة وغاياته التثقيفية والترفيهية اعلى المستوى الرمزي والمعنوي والتراكمي بمعزل عن هذه الوسائط التواصلية الإعلامية .
تعاظم دورهذه العلاقة أكثر منذ اجتياح الصحون المقعرة وتناسل الفضائيات الشرقية والغربية العملاقة في سماء إعلامنا المرئي والمسموع منذ أواسط الثمانين وأيضاً دخول الإعلام الورقي المغربي إلى ساحة الصحافة المستقلة منذ أواسط التسعينات، وأخيراً ما شهدته العشرون سنة الأخيرة من انتشار مذهل للشبكة العنكبوتية وخصوصاً الويب في نسخته الثانية على المستويين الأفقي والعمودي ما جعل الحركية والإنتاج الثقافي يلج عصر تعدد أسانيد الإعلام الثقافي (جرائد مجلات ورقية راديو تلفزة إعلام رقمي)
وقبل أن نخوض في سؤال واقع الإعلام الثقافي الرقمي بالمغرب علينا أن نتساءل هل هناك فعلا إعلام ثقافي رقمي متخصص ببلادنا يعالج الأحداث والظواهر والتطورات الحاصلة في الحياة الثقافية على مستوى المؤسسات والأفراد ، ويتوجه أساساً إلى جمهور نوعي مَعْني ومهتم بالشأن الثقافي؟
عندما نقول إعلاماً رقمياً فإننا نقصد به مختلف المنصات الرقمية التي تجعل من وسيط الشاشة الإلكترونية سنداً للتواصل والتفاعل مع معلومات ومنشورات المادة الثقافية مثل المواقع والمجلات الإلكترونية المنتديات المتنوعة أوالموضوعاتية مواقع التواصل الإجتماعي ، فيسبوك ويوتيوب على الخصوص ..إلخ
بداية لا بد من الإقرار بارتفاع محتشم في الحركية الثقافية في المغرب في العشرية الأخيرة بحيث علاوة على التراكم والدينامية الثقافية المتواضعة قبل ظهورالإنترنت فإن هذا الأخير قد أسهم بشكل وافر وملحوظ في خلق عديد من الإطارات والتنظيمات الثقافية التي انتقلت من اشتغالها في الفضاء الإفتراضي (منتديات وفيسبوك) إلى تصريف أنشطتها على أرض الواقع محققة بذلك حلمها في إثبات كينونتها الواقعية ، بيد أنه بموازاة مع هذه الدينامية يجب الجزم بأن هناك غياباً لإعلام ثقافي رقمي متخصص أي غياباً شبه تام لمواقع ومجلات إلكترونية تضع ضمن أولوياتها الإعلامية الإهتمام بالدرجة الأولى بتداول الشأن الثقافي ونشرأخباره والإحتفاء بمختلف تجليات الإبداع والنقد الأدبي والإنتاج العلمي والفكري ولعل من بين الأسباب الرئيسية لهذا الغياب :
التشويه الدراماتيكي الذي تعرضت له حرية التعبير التي منحها الإنترنت وسهولة النشر فيه لكل من هب ودب من دون الإلمام بالأبعاد الموضوعية والسوسيوثقافية لهذه الحرية في سياقها الديمقراطي المحلي وعلاقتها بثقافة حقوق الإنسان بشكل عام .
هيمنة عقلية التطفل على ساحة الإعلام الرقمي لدخلاء ليست لديهم لا مرجعية إعلامية في الأسانيد التقليدية أو رصيد ثقافي أو إلمام بالتراكم النوعي والكمي للمنجز الثقافي بالمغرب بعد الاستقلال بل كل ما لدى هؤلاء الدخلاء الجدد هو قدر يسير من المال لتصميم موقع إلكتروني وقليل من الأبجديات المعلوماتية والرقمية السطحية الخاصة بنسخ لصق (copier-coller) المعلومات المقتنصة من أجل إدراجها بغرض تحديث الموقع .
سيادة عقلية لاجدوى الإعلام الثقافي باعتباره إعلاماً غير مذر للأرباح المغرية وغير محفز على جلب محتضنين في مجال الإعلانات والإشهار وبالتالي يكون لهاث مدراء هذه المواقع الإلكترونية وراء البحث عن معلومة الإثارة والإشاعة السياسية والاجتماعية بل والسطو في كثير من الأحايين على معلومات الإثارة في الجرائد الورقية التي تصدر مساء كل يوم بساعات قبل وصولها إلى الأكشاك في صباح اليوم الموالي مما يعجل باستنساخها بين المواقع الإخبارية بتحايل واضح على عناوينها ومحتوياتها.
جل هذه المواقع الإخبارية تفرد في تصاميمها المستنسخة تبويبات خاصة في القائمة الأفقية الرسمية بعنوان (من نحن؟) و(ثقافة فن) لكن من خلال تصفحنا اليومي لهذه المواقع وفتح روابط تبويباتها هاته فإنه قلما يجد الزوار تحديداً لهوية الموقع وأهدافه الإعلامية وسياقات وظروف إنشائه، كما أنه قلما يتم تحديث تبويبة (فن ثقافة) مقارنة مع تبويبات أخرى مثل (نبض المجتمع) و(السياسة) و(الرياضة) .. إلخ بل لقد وقفنا مع الأسف في أحد المواقع الإخبارية المشهورة على خبر ثقافي يتعلق بوفاة شخصية مسرحية مغربية هامة جداً (الطيب الصديقي) لم يجدد ذلك الخبر الثقافي منذ أسابيع عديدة مما حتم علينا الإتصال بمدير الموقع وتنبيهه لهذا السهو غير المبرر كما لو أن الحراك الثقافي بالمغرب توقف زمنه بوفاة عميد المسرحيين.
علاقة المعلومة الرقمية في الوقت الراهن بارتفاع منسوب زوار الموقع ونقراتهم على الروابط وصور الإعلانات وعلاقة كل هذه الآليات بالعائدات المالية على الموقع سواء من (جوجل أدسينس) أو من إعلانات شركات خاصة بحيث أن تعاقد الشركات مع أي موقع إلكتروني إخباري لا يتم إبرامه إلا وفق قاعدة بيانات تتعلق بعدد الزوار وترتيب الموقع في (أليكسا) الشهير المتخصص في ترتيب المواقع الإلكترونية على المستوى المحلي والعالمي .
وتأسيساً على كل ماسبق، ما هو السبيل إلى تجاوز هذا الواقع الخافت للإعلام الثقافي الرقمي في المغرب وجعل المعلومة الثقافية تحظى بنفس عدد النقرات les cliques وباهتمام القارئ الرقمي مثلها في ذلك مثل المعلومة السياسية والإجتماعية والرياضية ..إلخ ولن يتحقق هذا إلا في إطار سياسة إعلامية وثقافية وتعليمية بيداغوجية منذمجة تعطي الاعتبار للشأن الثقافي من خلال جعل الإعلام الرقمي في خدمته ومن خلال خلق آليات جديدة لتدبيرالثقافة والإعلام عن قرب . وعلينا أن نأخذ بعين الإعتبار بأن المتلقي بمفهومه التقليدي قد بات يتحول يوماً بعد يوم بل ساعة بعد أخرى إلى متلقٍ رقمي يتفاعل مع المعلومة خارج أقانيم الزمكان التقليدية وبالتالي على المعلومة الثقافية الرقمية بدورها أن تواكب هذا التحول النوعي والكمي في طرائق التلقي لتكون معلومة (لايت) تنتصر لقاعدة (ما قل ودل) مستثمرة في ذلك إمكانية الجملة القصيرة والدالة التي تغني عن فقرة بكاملها والصورة التي قد تغني عن الفقرة والفيديو أو الملف الصوتي الذي قد يغني المتلقي عن كل هاته وكمثال على ذلك الدواوين والمجموعات القصصية المسموعة …
كاتب مغربي
عبده حقي