أسئلة الثقافة
■ غير خاف، أن مفهوم الثقافة تعدد وتشعب، بتعدد المرجعيات وزوايا النظر. وهو بذلك يقتضي استحضار تعالقاته بالسياقات التاريخية والمرحلية. لأن الثقافة تنمو بدورها داخل البيئات الاجتماعية، معبرة عن التجذر على الأرض، في تعبير عن التطلعات والأحلام… بهذا، فكل أشكال التعبير والحياة تتخذ معناها من داخل الثقافة. وبالتالي، فلا بد من ذاك الترابط بين العادات والأحداث والقيم والمعرفة، لتشكيل «كل» ينبض من الداخل، ويجهر بالانتماء والرؤية للحياة والوجود. وفي المقابل، فتعدد الثقافات، يشي عن قرب، بتعدد أشكال الحياة وتعدد أسئلة الوجود.
وعليه، يمكن الحديث عن احتكاك بين الثقافات، محكوم بالنوايا الأيديولوجية، نظرا للمؤثرات السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى تبليغ الثقافي كنموذج، تهدف القوى المتقدمة إلى فرضه، قصد التنميط والتأثير في الهويات الثقافية. وهو ما يثبت في ظل التعولم المتعدد الأشكال والألوان، أن القوى التي تسوق العولمة، تفعل ذلك استنادا إلى آليات وبنيات اقتصادية على الأرض، تسعى إلى نمذجة ثقافية، تعلي بكيفية شعورية أو لاشعورية من قيم الاستهلاك؛ حتى يتأتى إفراغ الرسائل الثقافية أو الهويات من محتوياتها المتجذرة في المكان والزمان، كمعنى وطريقة مخصوصة، بعيدا عن الانغلاق الذي لا يفضي إلا لنفسه.
في هذه الحالة، يغلب الظن أن التصنيفات الداخلية، من قبيل ثقافة عالمة وأخرى شعبية، أو المكتوب والشفوي، ثقافة منغلقة وأخرى منفتحة؛ غدا الأمر متجاوزا بقوة التاريخ والتحول الإنساني، ليغدو الأمر في المكان والزمان المقطع كبلد أو أمة، يتعلق بشكل ثقافي يعبر عن طريقة في التموضع والتموقع، تموضع متعدد الأشكال التعبيرية الطاوية عن تجذر وانوجاد في المشتركات والامتدادات.
وإذا حصل، فلا يمكن تنميط هذا الثقافي، لأن هذا الأخير متعدد أنساق التفكير المتجاذبة والخاضعة لمد وجزر التحولات المرحلية. ها هنا لا بد من ذاك الجدل بين الخاص والعام، بين المحلي والإنساني ؛ نظرا لصراعات لا تخلو من نوايا وتأملات لعلاقات بين الأمم (دينية، اقتصادية، سياسية). وفي الأمم نفسها، فالبساط الثقافي يخضع لتوجيهات من قبل المؤسسات التي تمتلك العدة والقرار السياسي كالدولة والحكومة، والحزب. في هذه الوضعية، يتعدد المجتمع المدني في توجهاته، بل في تبعيته للإطارات السياسية مما يفقد الثقافي امتداده ودوره. فتعدد النماذج الثقافية، يدل على تعدد المثقفين. لهذا، فحين تطرح المسألة الثقافية للتوافق، بناء على تشخيص موضوعي لوضعيتها، لا بد أن تتعدد مظاهرها وأسئلتها، لكن هناك، في تقديري، الإكراهات البنيوية نفسها التي تجعل الثقافي محاصرا وتابعا مؤجلا… وحين نفرغ الثقافة من حاستها وحسها المرتبط أساسا بالعقل والنقد نكون في خدمة التسطيح الذي ينمط الثقافة ويخشبها كديكور يليق بالبهرجة والطلاء، فينتفي الإبداع والخصوصيات، وهو ما يقتضي أمام أي تشخيص، تغيير عقليات الفاعلين والتشبع بقيم الحوار والبناء الشفاف، بدون خلف أو إجحاف. فلا بد، من عمل ينتظر المثقف والمؤسسة الثقافية بالأساس، قصد حضور فاعل للثقافي، وإلا، ترك للخبط والتصريف الجزئي بلا رؤية ولا أفق.
٭ شاعر وكاتب مغربي