1من اصل2
يمكننا – على ما أظن – تفريق ثلاثة أنواع مختلفة في عالم اللاشعور: فالنوع الأول هواللاشعور العضوي المسيطر على جميع أمور الحياة؛ كالتنفس والدورة الدموية … إلخ، فلما استقر أمره بتعاقب الوراثة فإنه يقوم بوظائفه قياما داعيا للعجب دون أن نعلمذلك، وهو يسير الحياة فيقودنا من الطفولة إلى الهرم، ومنه إلى الموت من غير أن نقدرعلى إدراك عمله.
وفوق اللاشعور العضوي يوجد نوع آخر يقال له اللاشعور العاطفي، فتكوين هذا اللاشعور تم بعد تكوين الأول؛ ولذلك فإنه أقل رسوخا منه؛ وإن كان على جانب عظيم من الرسوخ، ومن أجل هذا الرسوخ الكبير ترانا لا نؤثر في المشاعر إلا قليلا، مع أننانقدر على تبديل المواضيع التي نؤثر فيها بمشاعرنا.
وعلى رأس تلك السلسلة يوجد نوع يسمى اللاشعور الذهني، فلما كان ظهورهعلى مسرح الكون حديثا، فإن جذور الوراثة ليست سائخة فيه كما يجب، ومع أن أمراللاشعور العضوي واللاشعور العاطفي قد أصبح من الثبات بحيث نشأت عنه غرائزتنتقل بالإرث، نرى أن اللاشعور الذهني لا يزال يبدو على شكل أهواء وأغراض، والتربيةهي التي تتدرج به إلى الكمال في كل جيل.
إن للتربية سلطانا كبيرا على اللاشعور الذهني؛ لكونه أقل رسوخا من ذيْنِك النوعين،وليس لهذا اللاشعور سوى تأثير ضئيل في المشاعر التي هي قوام الخلق، وأما اللاشعورالعاطفي فإنه يكون في الغالب سيدا مهيمنا غير مبال بالمعقولات، وهذا سبب كون كثيرمن الرجال الذين يكونون على جانب عظيم من الفطنة والصواب في مؤلفاتهم وخطبهميصبحون في سيرهم آلات متحركة، يقولون ما لا يودون أن يقولوه، ويفعلون ما لايريدون أن يفعلوه.