أعظم أفلام السينما في مطلع القرن 21 الاحتكام إلى الذوق الشخصي

أعظم أفلام السينما في مطلع القرن 21.. الاحتكام إلى الذوق الشخصي

أعظم أفلام السينما في مطلع القرن 21.. الاحتكام إلى الذوق الشخصي

يُنهي موقع BBC، أو الصفحة الثقافية فيه تحديداً، تقديمَه للائحة «أعظم 100 فيلم في مطلع القرن 21 » بالتأكيد أن «السينما لا تحتضر بل تتطوّر» و كذلك أنّ محرّري الموقع، القائمون على الاستفتاء الذي أفضى إلى اللائحة، ذكروا أنّ «الأفلام الكلاسيكيّة الجديدة على هذه اللائحة ستصير لاحقاً كلاسيكيات قديمة»، وهذا ما يتوجب التوقّف عنده في الحديث عمّا هو الكلاسيكي.
الانحياز إلى اللغة الإنكليزية في الاختيارات، مُتوقّع، فهنالك مركزيّة أنكلوفونيّة تؤثّر على الاستفتاء، واحد من أسبابها الرئيسية هويّة القائمين عليه. وكذلك، القائمة ليست نهائية، فلا يمكن أن تكون مرجعاً بعد عام أو اثنيْن من الآن، أو عشرين، كون الأفلام فيها هي ما تمّ إنتاجه في الفترة ما بين عامَي 2000 و 2016، أي أنها الأفلام «الأعظم» حتّى تاريخه أولاً، وثانياً حسب آراء المستفتين فيها، نعرف أن السينما في النهاية مسألة ذوق، كما هي مسألة جماليات وتقنيات وحكايات.
وكما هو من الممكن جداً أن تُضاف أفلامٌ كلّ عام، من الممكن أن يتغيّر التصنيف بين الأفلام الموجودة هنا، بين وقت وآخر. مثال في ذلك الاستفتاء العالمي الأهم في تصنيف الأفلام والذي تنجزه مجلة «سايت آند ساوند» الإنكليزيّة، وتجريه كلّ عشر سنين، فقد تربّع فيلم «المواطن كين»، 1946، لأورسون ويلز على رأس اللائحة لخمسين عاماً، ليحلّ محلّه فيلم ألفريد هيتشكوك «فيرتيغو»، 1958، في الاستفتاء الأخير الذي جرى عام 2012، أي بعد إنتاج الأخير بأربع وخمسين عاماً. ما الذي تغيّر ليتقدّم فيلم هيتشكوك على فيلم ويلز غير الأذواق، أو محصّلة أذواق المستفتين؟ وهم في مجالات متنوّعة ضمن السينما، من النقد إلى التعليم إلى الإخراج والكتابة وغيرها.
هل في ذلك ما يمكن أن يُنقص من قيمة فيلم ويلز؟ لا طبعاً، هل في ذلك إذن ما يمكن أن يسيئ إلى الأفلام الأولى في لائحة BBC؟ أيضاً لا، لكنْ لهذه الإجابة كذلك طابع شخصي يتعلّق بذوق المجيب عليها، فإعجاب أحدنا بالفيلميْن الحائزيْن على أول مركزيْن تحديداً يسهّل عليه تقبّل نتائج الاستفتاء، لكنّها بالنهاية، الرأي الشخصي للمستفتين، أو لأحدنا، تخضع أساساً للذوق الخاض بصاحبه. فليس الحديث هنا عن أفضليّة يمكن فرضها على الجميع، بل عن محصّلة أفضليات استُفتيَ بها أصحاب آراء وثقافة سينمائة يُفترض أن تكون عالية.
أما الفيلمان فكانا: في المركز الأول «ملهولاند درايف»، 2001، للأمريكي ديفيد لينش وفي الثاني «في مزاج الحب»، 2000، للصيني وونغ كار واي. وبالعودة إلى اللائحة الأكثر وثوقيّة وهي لائحة «سايت آند ساوند» نجد أن الفيلم الثاني حاز المرتبة 24 أي متقدماً على فيلم «لينش» الذي أتى بعده بقليل، في مرتبة 28.
هل إذن من فيلم بينهما أفضل من الآخر؟ على أي من اللائحتين نعتمد؟ أقول أن يعتمد كل منّا على ذوقه الشخصي في أيهما أفضل من الآخر، وقد دخل الاثنان نادي الأفلام العظيمة. ونؤكّد على أن يكون ذلك ضمن معايير عامة فلا يأتي أحدنا بفيلم نال المرتبة 100، كفيلم «توني إيردمان» الذي نشرنا مراجعة له قبل أيّام، ليفضّله على أي من الفيلميْن، أو على غيرهما من الأفلام الممتازة ضمن اللائحة. ولا بدّ من التذكير بأن كل ذلك لا ينفي أفضليّة ديفيد لينش على غيره كمخرج وهو من بين المخرجين الأحياء الأفضل في العالم.
بالعودة إلى ما يتوجّب التوقّف عنده، وهو مسمّى «الكلاسيكي». ففي السينما، كما في الأدب، تكسب الأعمال أهميّة أكبر كلّما قدمت، أو تثبت أهليّتها أكثر وتكشف أكثر عن فرادتها وقيمتها كلّما قدمت، أي أنّها نالت فرصة أكبر لتثبت أفضليّتها على أي جديد.
والحال كذلك في الأدب ما بين الكلاسيكيات والكلاسيكيات الحديثة، أمّا الجديد، ما صدر منذ سنوات قليلة مثلاً، فزمنياً غير متاح له أن يكون بقيمة الكلاسيكي، أي لم يُعتّق بعد ليكسب «هيبة» الكلاسيكيات، وكما أدبياً، سينمائياً. وللتذكير، الحديث هنا لا يتجاوز الأفلام الصادرة في أوّل 16عاماً من هذا القرن، مازال أمام القرن 82 عاماً من السينما، وبعض هذه الأفلام ماتزال تُعرض في الصالات وتتناولها المراجعات في الصحافة اليوميّة.
أمّا أفضل ما يمكن فعله فهو انتظار عام 2022 حيث ستخرج مجلة «سايت آند ساوند» باستفتائها الذي تجريه كل عشر سنين، وهو الأكثر رصانة. والبحث في اللائحة ضمن المائة فيلم عمّا أُنتج في القرن الواحد والعشرين، لنعرف بشكل أفضل الأفلام الأفضل التي أُنتجت في هذا القرن حتى لحظة ظهور الاستفتاء.
ما يهمّ فعلاً محبّي السينما من كلّ ذلك، هو أن هنالك، على الأقل، مئة فيلم ممتاز، لا أقول عظيماً وهو توصيف BBC، من بينها أفلام عظيمة إنّما تحتاج زمناً أكبر لتكشّف تلك العظمة، وهنالك دائماً أفلام ممتازة ستظهر، والأهم أن هنالك أفلاما عظيمة قديمة أو قديمة جداً، يمكن مشاهدتها أو إعادة مشاهدتها، هذا كلّه يضيف سحراً إلى حياة أي منّا، نحن في حاجة إليه.

m2pack.biz