أفكار متجانسة 6من اصل6
أي تغيير، لهو فارغ- وإن تغييراً من دون تفسير هو أعمى. فالتفسير والتغيير، النظرية والتطبيق عاملان منفصلان، وفي وسع المرء أن يجمع بينهما؛ بل إن علاقتهما علاقة تأثير متبادل بحيث إن المعرفة تثمر بالتطبيق الذي توجهه المعرفة وتقوده. والنظرية والتطبيق يغيران كلاهما طبيعته حين يكف المرء عن فصلهما عن بعضهما.
إن لمسألة التأثير المتبادل بين النظرية والتطبيق وجهاً آخر، أي العلاقة بين الذكاء والطبع. لاشك أن كل إنسان يولد في مستوى محدد من الذكاء. ولا تهم العوامل السيكولوجية ما إذا صار أحدهم أبله أم عبقرياً. على أن البلهاء والعباقرة شواذ. إن الشيء الذي أثر في أكثر فأكثر كان غباء أكثرية البشر الذين لا يدخلون في أي من هذين الصنفين المغالى فيهما. ولا أعني النقص في ذلك النوع من الذكاء الذي يستطيع المرء أن يختبره، بل العجز عن رؤية الأسباب الأقل ظهوراً للعيان لظواهر معينة وعن فهم تناقضات في داخل الظاهرة نفسها وإدراك علاقات بين عوامل مختلفة مرتبطة مع بعضها ارتباطاً غير ظاهر. ويتجلى الغباء على النحو الأوضح في الآراء في علاقات شخصية وشؤون اجتماعية. كيف حدث أن ناساً لا يرون أكثر الوقائع والحقائق بروزاً للعيان في شؤونهم الخاصة والاجتماعية ويتشبثون بدلاً من ذلك بقوالب يكررونها على نحو لا متناه من دون أن يضعوها في أي وقت من الأوقات موضع التساؤل؟ وبصرف النظر عن القدرة الفطرية فإن الذكاء هو إلى حد بعيد وظيفة الاستقلال والشجاعة والحيوية؛ أما الغباء فهو بدوره نتيجة للخضوع والخنوع والخوف والموت الروحي. وحين يكون جزء أساسي من الذكاء منحصراً في القدرة على التحقق من علاقات وصلات بين عوامل لم يكن المرء قد لاحظ عندها أنها على صلة مع بعضها، ففي مثل هذه الحال لن يجرؤ شخص ما يتمسك ويتثبت بالقوالب والأعراف والتقاليد الاجتماعية على أن يرى مثل هذه الصلاة والروابط. فمن كان يخاف من أن يميز نفسه من الآخرين لن يجرؤ على أن يميز ويعرف أخيلة وأوهاماً على حقيقتها،