أفول الأوثان
الظاهر أن ثقافتنا لم يعد في مكنتها إلا التكرار وانتزاع الخطى نحو الموت. أصوات صنعت مشهدنا الثقافي تتوارى، يخفت صوتها وحضورها وتبتعد تاركة الساحة فارغة لأصوات لم تنجح بعد في صنع اشعاعها وتأدية دورها النقدي والتحليلي واستقراء مشهد معقد يرزح تحت مالم ينجح في الكشف عنه وتعريته وبقي سجين المقاهي والحانات والنفس مكرورا ومجترا الى ما لا نهاية.
تغيب تلك الأصوات المضيئة وتترك ربما عن غضب أو يأس أو تعب المشهد الثقافي فيغيب صوتها الذي كان يقيس نبض الثقافة ويجس مدى صحتها أو نكوصها متتبعا بالقراءة والنقد أشكال تمظهرها ومتغيراتها.
مؤسسات عتيقة تثبت عجزها وعدم قدرتها على تجسيد وعكس سيرورة ثقافية لابد وأنها تتطور وتنمو وتأخذ أبعادا أخرى وأحجاما مختلفة عن المرحلة السابقة ، المفروض أن هذه المؤسسات موجودة لتساير التغييرات ولتساهم فيها بأخذ قصب السبق سواء بإبراز هذه المتغييرات أو المساهمة في الدينامية التي تحركها عبر تقويتها أو التدخل الذكي لتوجيه صيرورتها حين ترى إلى أعشاب طفلية وضارة تضعف من نموها وتقدمها ، لكن ماذا نرى في المقابل سبات عميق تغط فيه هذه المؤسسات وإنتاج لثقافة مريضة تحكمها المصالح الفردية والسياسية لا تعي بالموت الذي تساهم وتعمق في إنتاج أسبابه هي المسؤولة الأولى على محاربة هذا الموت والمطالبة بصنع وإبداع الدينامية والحركية التي تميز الفعل الثقافي الصانع لأحلام التغيير والراصد المحارب الواقف بالمرصاد لمن يساهم في نكوصه وارتداده وإلا ما جدواها الثقافة والمعرفة في عصور الانحطاط والفساد هذه ؟ ماذا فعلت مؤسساتنا الثقافية لتغير من وجه الثقافة البئيس؟ ماذا فعلت لتحارب قوى النكوص والارتداد والظلام المكتسحة مجتمعاتنا الفتية ، أموال تصرف في أوهام تدعي صنع ديناميكية ثقافية تسخر من ذكاء متطلع إلى ما يغنيه ويحقق طموحاته المتوثبة عوض ذلك تضحك عليه بإنتاج أوهام فسادها الثقافي .. صحافة جادة تحارب وفي المقابل التشجيع على انتشارإعلام بئيس ، صحافة كسولة لا تشتغل ولا تتحرك ولا تقرأ ولا تتابع يوما عن يوم تقلص من اجتهادها وتركب على موجة نقل ولصق ما يمر على شاشة حاسوبها، جهل ومحدودية ثقافية ورؤيوية وغياب للموقف مما يحدث، باسثتناء قلة تشتغل على صنع لمستها الذكية هنا وهنالك وبصعوبة وسط الاكتساح الهائل للثرثرة الاعلامية .
نحن على أهبة دخول ثقافي المفروض اننا طيلة الفترة السابقة اشتغلنا على إغنائه وإبراز سماته واستقراء متغيراته وجديده. المفروض قبل هذا الدخول كنا حققنا حركية ورواجا أدبيا وثقافيا احتجنا فيه إلى عطلة يذهب فيها صانعو ثقافتنا إلى استراحاتهم القصيرة ليصنعوا لنا دخولا ثقافيا يليق بمغرب ثقافي يفيض بالطاقات، ينتظر من صناع ثقافته تحركا واشتغالا لنقل وطرح واستقراء ومتابعة أهم ما ميز حركيتنا الثقافية. لكنهم هناك في كراسيهم الوتيرة يفكرون ويجهدون في التفكير كيف يمكنهم حلب بقرة الثقافة الهزيلة ونفخ أرصدتهم البنكية وتمديد شبكة علاقاتهم الخارجية باستغلال كراسيهم لذلك قبل أن تدحرج تلك الكراسي من تحت مؤخراتهم الكسولة، يركبون على الفعل الثقافي ويحملونه ما لا يتحمل من عاهاتهم ، يوهمون بحمل ملفاتهم الثقافية السمينة بالمشاريع ينفخون في تكلفاتها يحرصون على تزويدها بالمستفيدين من عصاباتهم الداعمة لفسادهم لينتجوا افعال ثقافية بئيسة تشبههم ما عدا الضجات المفتعلة التي يفبركونها لمصحابتها تبقى هزيلة وفارغة معادية ومقصية للمثقف الحقيقي ومعمقة يأسا ثقافيا يضرب عميقا في تربتنا يرسخ من إنتاج دمى الثقافة وعرائسها المتحركة . ابتليت الثقافة المغربية بأقزام وصانعي عاهاتها وهي تتحسر على مجدها وهي ترى إلى اكتساح ثقافة ظلامية تحتمي بماضيها ولحيها ،اكتساح طفيلي لذوي العاهات والحاجات التي تطمس الثقافة وتسير بها نحو موتها وتغريب مثقفيها ، والخاسر هنا هو وجه الثقافة والمغرب الثقافي.