أقمشة وألوان
أذكر المشهد جيداً. في أعوام طفولتي رافقت والدتي إلى شارع الحمرا، ودخلنا متجر أقمشة للأثاث، صالة واسعة تتدلّى من رفوفها أقمشة معلّقة بأسلوب فني. ألوان مذهلة وأنواع أقمشة تناديك للمسها. كأنني في بستان جميل، أبتسم لدنيا ملوّنة تحثّ الخيال على العمل. أتخيّل هذا القماش أو ذاك في غرفتي أو غرفة والديّ. لم أشعر بالملل. أجيد التخيّل ولا أنجح في التمارين اليدوية. ألمس الأقمشة فقط. أقدّر دورها في حياتنا. حين تتحوّل أزياءً تتبدّل النظرة إليها، تصبح أسلوباً وعنواناً. هو عنوان يحكي عن صاحبته أو صاحبه، يعبّر من دون كلام أو ثرثرة. ندرك أن صناعة الأزياء والموضة مهمة جداً في عالمنا هذا، عالم الصورة التي أصبحت صوراً يومية تبالغ في التعريف عنا. فها هي صورنا على فايسبوك وإنستغرام وسناب تشات وفي هواتف أقربائنا وأصحابنا وأشخاص لم نعرفهم يوماً، لكن جمعتنا بهم من دون أن ندري أماكن سياحية ومناسبات اجتماعية. «كيف نلبس الفستان نفسه إذا رآه العالم كلّه على فايسبوك؟» تسأل إحداهن بجدية. ثروات طائلة هي حصة النجاح في صناعة الموضة، أموال تُحصد وأخرى تُنفق. وبعيداً عن الهوس السخيف بالموضة، لا بد من الاعتراف بأنها أبسط أنواع التعبير اليومي الفني. هي لغة صامتة تُعتبر مدخلاً للتعريف عنا، عنواناً كما ذكرت. فهي تكشف شيئاً منا للغرباء في الشوارع، للعابرين والفضوليين وغير المبالين. وهي أيضاً انعكاس لأمزجتنا وثقاقاتنا، والتمسّك بزيّ تقليدي يمكن أن يكون تعبيراً عن التمسّك بهوية تُطمس وتُداس. لا بد من الاعتراف بقوة الأزياء، بتأثيرها في زمننا، فالشوارع نفسها أصبحت منصّات. لكنّ لأهمية الموضة والأزياء حدوداً ينبغي رسمها، فإذا تم تخطّيها سيطر علينا الهوس بالصورة وبالمنافسة السخيفة.