أفكار يجب أن تموت في تعليم الكيمياء مبدأ لوشاتليه
ألهمني كتاب “هذه الفكرة يجب أن تموت” بهذه السلسلة من المقالات وفي هذا الكتاب يشرح 175 مفكر بارز مجموعة من الأفكار والنظريات والمفاهيم التي يعتقدرون أنها أصبحت غير مثمرة ويجب التخلي عنها. ومما لفت نظري أنه لم يشارك أي كيميائي في هذا الكتاب. افتقاد الكيمياء للمحتوى الفلسفي والتأملي العميق هو ما يدعم استمرارية الأفكار الخاطئة والمفاهيم المربكة التي تعيق التعمق في فهم الكيمياء.
قضيت كثيراً من الوقت في مهنتي أجتهد لتعزيز الجوانب الفلسفية في الكيمياء وقيمة الأخذ بالنظرة التأملية في تعليمها لذلك أجد نفسي مدفوعا لسد النقص في هذا الكتاب. سأناقش في هذه السلسة من المقالات ما أعتقد أنها أكثر خمس أفكار مربكة موجودة بين الأساتذة ومؤلفين الكتب الكيميائية تعيق الفهم الصحيح والعميق للكيمياء.
الفكرة الثانية: مبدأ لوشاتليه
الفكرة الثانية في هذه السلسة من المقالات تخص مبدأ لوشاتليه الذي ينص على أنه إذا تعرض نظام ما في حالة اتزان لمؤثر سيستجيب سالكاً الاتجاه الذي يعاكس فعل هذا المؤثر. وضِع هذا المبدأ للتنبؤ بنتيجة أي تغير في التركيز أو درجة الحرارة أو الضغط يحدث لنظام في حالة اتزان. المشكلة أنه من المرجح أن يخطئ الطالب في التنبؤ بنتيجة تغيرين من أصل ثلاثة تغييرات صيغ هذا المبدأ لأجلها وهما درجة الحرارة والضغط.
1. تحت الضغط
للتنبؤ بما سيحدث كرد فعل لزيادة الضغط على نظام ما يتخيل الطالب بالون منفوخ بالهواء يُضغط هذا البالون ونتيجة الضغط سيتقلص حجم البالون. غالباً سيتوقع الطالب التالي: سيعمل النظام على زيادة حجمه لمواجهة زيادة الضغط عليه التي أدت لتقليل حجمه. وبالطبع هذا تنبؤ خاطئ لأننا نعلم جيداً أن زيادة الضغط على النظام دائماً يصحبها تقليص في حجم هذا النظام.
يلجأ كثير من الأساتذة كمحاولة للتماشي مع المبدأ لإعلام طلابهم أن زيادة الضغط لم يصحبها تغير في الحجم وهذا ماقادهم للتنبؤ الخاطئ ولكن هذا التبرير لن يقدم للطالب إلا مزيداً من الإرباك.
2. الإحساس بالحرارة
ربما يُعذر الطالب فيما لو فكر أن رفع درجة حرارة تفاعل متزن ستدفع سير التفاعل بالاتجاه الطارد للحرارة لمواجهة الزيادة في الطاقة الحرارية. ولكن هذا التوقع غير صحيح لأن رفع درجة الحرارة سيدفع التفاعل للاتجاه الماص لدرجة الحرارة وليس الطارد. جزء من هذه المشكلة يقع في دقة صياغة هذا المبدأ.لذلك يجتهد كثير من المؤلفين لحل هذه المشكلة وإزالة هذا اللبس عند الطالب بإعادة صياغة المبدأ ليظهر بشكل مختلف عن صياغة لوشاتليه كالقول بأن الاتزان سينحرف للاتجاه الذي يوائم التغيير.
ومما يعقد الأمر أكثر أن الصياغة تختلف بين كتاب دراسي وآخر ولكن لايمكن إنكار أن الصياغة البديلة المشار لها في الأعلى قدمت حلاً مناسباً للمشكلة فبإمكان الطالب أن يجادل الآن في حالة مثال البالون أن زيادة الضغط على البالون بتقليص حجمه سينتج عنه تفضيل لتقليل الحجم لمواءمة التغيير وكذلك في مثال رفع درجة الحرارة سيرى الطالب أن الاتجاه المفضل هو الاتجاه نحو استهلاك الحرارة المضافة أي الاتجاه الماص للحرارة وليس الطارد.
3. استبدال المبدأ
ربما حان الوقت لهجر هذا المبدأ كلياً ونستعيض عنه في حالة التفاعلات الغازية بثابت الاتزان المعبر عنه بدلالة الضغوط والذي يحسب باستخدام قيم الضغط الجزئي لكل مكون. الضغط الجزئي لأي مكون هو حاصل ضرب الضغط الكلي في الكسر المولي لهذا المكون. وهذا يوضح بلا لبس أن زيادة الضغط الكلي ينتج عنه كسر مولي أعلى للمواد التي يرافقها انخفاض في الحجم عند السير من اليسار إلى يمين معادلة التفاعل وهذا موضح في كثير من الكتب الجامعية ولكن بدون أي نقد للإرباك الذي يسببه مبدأ لوشاتليه.
ولأن ثابت الاتزان يتغير مع تغير درجة الحرارة يلزم اتباع طريقة مختلفة لتوقع التغيرات الطارئة على اتجاه التفاعل المتزن في حال تغير درجة الحرارة. في مثل هذه الحالة يمكن استخدام المعادلات الثيرموديناميكية التي تربط درجة الحرارة مع ثابت الاتزن مثل المعادلة التالية التي تطبق على التغيرات الطاردة للحرارة:
ln K ∝ 1/T
ويتضح من هذه المعادلة أن ثابت الاتزان للتفاعلات الطاردة لدرجة الحرارة تنخفض قيمته مع زيادة درجة الحرارة. ويترتب على ذلك فإن التفاعل (الطارد لدرجة الحرارة) المكتوب من يسار إلى يمين معادلة التفاعل لن يكون مفضلاً مع زيادة درجة الحرارة. ومرة أخرى وضحنا هذا التأثير دون اللجوء إلى مبدأ لوشاتليه.
4. التغير في التركيز
فقط في حال التغير في التراكيزنجد أن مبدأ لي شاتلية يعمل جيداً حتى في صياغته الأصلية بدون أي لبس أو إرباك, تأمل مالذي يحدث لو زاد تركيز المادة A في المعادلة التالية:
A + B ⇌ C + D
التوقع وفقاً لمبدأ لوشاتليه أن النظام سيتجه للاتجاه المعاكس للزيادة ويستهلك المادة المضافة A وهذا ما يحدث بالفعل. وفي هذه الحالة نجد أن التغير الملاحظ ظهر بشكل واضح بالاتجاه المعاكس للتغير المفروض على النظام. ولكن تقديم مبدأ يتوقع ما الذي يحدث في ثلاث حالات من التغيرات الطارئة على النظام المتزن وهو فعلياً لايعمل بشكل واضح وصريح إلا في حالة واحدة يبدو أنه أمر غير مثمر وقد يأتي بنتائج سلبية.
الكاتب هو إيريك شيري مؤلف ومحاضر كيميائي في جامعة كاليفورنيا, لوس أنجلوس