أنا مُغرَمٌ أيّها العالم

أنا مُغرَمٌ أيّها العالم

أنا مُغرَمٌ أيّها العالم

يحتفل العالم يوم الإثنين المقبل، 18 كانون الأول الجاري، باليوم العالمي للغة العربية. على طريقتي، أحتفي بها، داعياً القارئات والقرّاء إلى التمهّل قبل إطلاق الأحكام العشوائية على المقال، وصاحبه. وإذا كنتُ أعنون المقال هذا، بعبارة “أنا مُغرَمٌ أيّها العالم”، فذلك ليس من أجلي، بل تكريماً لهذه اللغة، اللامثيل لها في هديل الحبر، وفي مياه لاوعيه اللامتناهية.
أنا مُغرَم. أنا مُغرَمٌ، أيّها العالم.
الملأ الذي يعرف بوجودي، والملأ الذي يقرأني، من حقّه عليَّ، أن أكشف له ما يختلج على أصابعي، وما يتدفّق في هديل الحبر السيّال في قلبي وعقلي، وعلى مدى الشرايين.
إنّي مُغرَمٌ، أيّها العالم!
من واجبي أن يعرف العالم كلّه، أنّي شقيٌّ وسعيدٌ في هذا الغرام.
هما، الشقاء والسعادة، اللذان لا يكتمل جنينٌ إلاّ بهما.
الشقاء والسعادة، اللذان يموتان كلّ يوم، من أجل أن يعثرا على الحياة جميعها، وكلّ يوم.
يلذّ لي، أن أُعلِم الأرض، وما عليها، ومَن، بأنّي لا أضجر من قول ما أنا فيه من أحوال الغرام. ومن إعلان هذه الأحوال. ومن البوح بها. ومن إشهارها فوق السطوح. وفي الهواء. وتحت طيّات الضمير.
هو الغرام الذي يجعلني مريضاً. مريضاً جدّاً. حدّ اللاشفاء. حدّ عدم الرغبة في أن أشفى من هذا الغرام.
في العادة، يُعاب على المُغرَم أن يعلن. باعتبار الإعلان علامةَ ضعفٍ وهشاشة.
فليعيبوا عليَّ، قدر ما يطيب للناس أن يعيبوا.
من جهتي، ما ألذّ أن أكون ضعيفاً وهشّاً، أمام هذا الغرام.
ليس ثمّة عيبٌ عندي في قول ضعفي وهشاشتي هذين.
وها أنذا:
ليعلم الجميع. هنا. وفي أصقاع الدنيا كلّها. أنّ غرامي لا يوصف. ولا ينتهي.
كلّما ازددتُ غراماً، ازداد اشتغالي على هذا الغرام. وانشغالي به.
من أجل أن يتأجّج. ويحترق. ويحرق. ومن أجل أن لا يخبو. أو يتلكأ. أو يتعب. أو يضجر من كونه غراماً.
أنا مُغرَمٌ، أيّها العالم.
كلّما رأيتُ أني لستُ لائقاً به، ولا أهلاً له، جَعَلْتُهُ يأخذني من أذنيَّ الاثنتين، على سبيل العتاب والتوبيخ.
من أجل أن أسهر أكثر، لأرتقي أكثر، ولأذهب إلى الأعماق أكثر فأكثر.
هذا الغرام، هو جسدي. وهو هويتي. ووطني. وأرضي. وسمائي. والغيوم التي لا يُرى لها أثرٌ في سماء.
كلّما عذّبني، ازددتُ ولعاً به.
فليعذّبني أكثر. أكثر.
من أجل أن أشفّ، فأصير ظلاًّ، أو هواءً، أو وهجَ جمرة، أو لذّة ينبوع.
ومن أجل أن يُضنيني أكثر. ويُشقيني.
ومن أجل أن يدلّني أكثر على الطريق.
لأرى أكثر. وأحفر أكثر. وأصل أكثر.
***
ولا وقت عندي لاهتماماتٍ ومشاغلَ أخرى.
هي امرأةٌ واحدةٌ، أيّها العالم. هي واحدة. وامرأة.
أيّها العالم، أنا مُغرَمٌ بها، أيّها العالم.
وأنا عشيقها.
وأنا زوجها.
وأنا طليقها.
وأنا ابنها.
وأنا، أيضاً غريبها.
قد يعيّرني الآخرون بالسذاجة والتخلّف. لأنّي مغرَم بعشيقةٍ واحدة.
فليفعلوا ما يشاؤون.
لكنّي مُغرَمٌ بعشيقةٍ واحدةٍ، تتغرّب كلّ يوم. وتولد كلّ يوم.
حتى لأضطرّ إلى التعرّف إليها كلّ يوم. كما لو أنّي لم أعرفها من قبل.
هي عشيقة. هي عشيقة. وبامتياز.
كلّما تغرّبتْ ووُلِدتْ، ازدادتْ غوايةً وتمنّعاً.
لأزداد بها جهلاً وتعلّقاً.
الوقت كلّه، أبذله هنا، من أجل هذا الغرام. كي يظلّ يولد باستمرار. في الوقت. وخارج الوقت. في المكان. وخارج المكان.
في الحبر. وخارج الحبر. وعلى السواء.
هي أمّي. وهويتي. وبلادي. وهي لغتي.
أنا مُغرَمٌ، باللغة.
باللغة العربية، أيّها العالم!
akl.awit@annahar.com.lb

m2pack.biz