أنت من وين؟!
هل نعلم أو نتعلم إن صح التعبير أن أكثر ما يؤجج أفراد المجتمع ويذيب الولاء للوطن هو تكريس “المناطقية“ كلنا وبلا استثناء نعمل بهذا المعطى البغيض من حيث لا ندري أو نحتسب بدليل أول سؤال نوجهه أو يوجه لنا في مستهل الالتقاء والتعارف أنت من (وين)؟ مع أننا نعلم يقيناً أنه (سعودي، سعودية) لكن يبدو أن توجساتنا تذهب أبعد من ذلك إذ لا مناص من التعرف أولاً من أي منطقة أو مدينة وها هنا تتموضع الاستجابات وتعتمل الترسبات إما بالاستمالة أو التحفظ لحظتها، وبمقتضى الإجابات يقرر كلا الطرفين إما التقارب أو الفراق بعد أن استرجع كل منهما التصورات والانطباعات واجترار الملاحظات والمآخذ (الفردية!) هذا السؤال العدمي ليس فحسب يرسخ للمناطقية بل يفتح آفاقا لا حدود لها من المهاترات والنعرات نحن في غنى عنها، لا بل في مسيس الحاجة لدفنها وبالنتيجة يتداعى الخطر الأكبر وهو المزايدة بحب المنطقة أو المدينة ومفاضلتها الأمر الذي يقوض من حيث لا يفطن الفرد من ولائه للوطن. أقول لهؤلاء المغالين (المتبجحين) بحبهم لمدنهم: أمعنوا وجاهروا لكن يجب أن يكون الحب الأكبر والولاء الراسخ للوطن، فهو الأم والأب، وما تلك المناطق والمدن والقرى والهجر إلا أبناء وبنات الوطن، إذن لا مجال للمزايدة المفرطة، فإن تبدّت مدينة أجمل من غيرها أو أخرى أكثر ألقا أو أكبر فهذا لا يعني أن مواطنيها (منتقون) وأفضل من غيرهم فلا فضل لأحد دون غيره، فالفضل لله سبحانه ثم الوطن بقياداته وكافة أفراده، وتأسيساً على ذلك ودرءا للتداعيات يحتم علينا فوراً قطع رأس الأفعى (المناطقية) ولنبدأ أول ما نبدأ بتكميم أفواهنا وبلع ألسنتنا قبل أن تنبس ب (أنت من وين؟) فنحن جميعنا من المواطنين السعوديين وكفى فلنتفق ونتعاهد أرجوكم.