في كتابها InGenius الذي تشرح فيه ما العبقرية وما الإبداع، تقول تينا سيلج أن علينا ألا نحرم أنفسنا من أفضل أفكارنا، دون وعي منا، وتؤكد على أن أول حل يتبادر إلى أذهاننا قد لا يكون الحل الأفضل .
مثال تينا سيلج
تبدأ تينا سيلج إحدى محاضراتها في تعليم الإبداع بأن تطلب من مجموعة من الحضور الوقوف في أول القاعة، وبشرط ألا يتكلم أي شخص منهم، مع حرية كاملة في فعل أي شيء عدا الكلام، تطلب منهم تينا أن يقفوا جميعا في صف واحد، وفق ترتيب تاريخ ميلاد كل شخص، من أول يناير في أول الصف، وآخر ديسمبر في نهاية الصف.
رد الفعل الأولي: التجمد في المكان
ما أن تنهي تينا شرح طلبها، وتترك الطلاب لينفذوا المطلوب منهم، حتى تعتلي وجوههم إمارات التعجب وربما الفزع، في دلالة على أن هذا الطلب مستحيل تنفيذه. بعد ثبوت تينا على طلبها، ومرور بعض الثواني، يبدأ أحد الطلاب بأن يحاول التعريف بتاريخ ميلاده باستخدام أصابعه، ويحاول أن يجعل بقية الفريق يفهم مراده.
انفراج الأسارير
بعد تقدم هذا المغوار، يبدأ الآخرون في الابتسام، وتبدأ محاولات جماعية للتعريف بتواريخ ميلادهم باستخدام الأصابع، رغم صعوبة ذلك وعدم دقته. رويدا يبدأ الصف في التكون، ولمزيد من الإثارة، فجأة تعلن تينا أن أمامهم دقيقة واحدة فقط للانتهاء من مهمتهم، حتى يبدأ الهرج وتسود العجلة، حتى ينتهي الوقت، لتبدأ تينا في سؤال كل شخص في الصف عن تاريخ ميلاده، لتنكشف الحقيقة المرة، وهي أن لغة الأصابع موصل غير جيد للأفكار في كل الحالات.
الحل الأولي عبقري لأنه يثبت إمكانية المستحيل
بعدها تسألهم تينا، ما الذي حدث معكم؟ يبدأ الجمع بالتعبير عن دهشتهم من الطلب الذي نزل عليهم، وكيف أن أول شيء طرأ لهم هو أن هذا الطلب مستحيل في ظل الطلب بعدم التحدث، لكن فور أن تقدم أحدهم وبدأ يستخدم لغة الأصابع، حتى بدأ الجميع يدرك أنه الحل العبقري لهذه المشكلة، وشرعوا يفكرون كيف يمكن للغة الأصابع التعبير عن تاريخ ميلاد كل منهم.
الحل الأول ليس بالضرورة الحل الأفضل أو الأمثل
ثم تطرح عليهم تينا السؤال: هل هناك حل أفضل لهذه المشكلة غير الأصابع؟ تمر برهة من الوقت ثم يبدأ أعضاء الفريق في طرح أفكار أفضل، وفي هذه الحالة كان يمكن للفريق أن يكتب كل منهم تاريخ ميلاده على قطعة من الورق ثم يقف كل شخص وفق ترتيب ميلاده. لقد اشترطت عليهم تينا ألا يتكلموا وليس ألا يكتبوا. حل آخر كان تمثيل أيام السنة بالكتابة على الأرض ويقف كل شخص في المكان الذي يمثل تاريخ ميلاده، وهكذا. حل آخر ممكن كان الغناء، فالمرفوض كان الكلام لا الغناء.
الفخ الذهني، أول حل للمعضلة يحصل على الاهتمام الذي كان موجها لحل المشكلة
كررت تينا هذا التدريب مع العديد من الناس في مختلف الأماكن، وكانت التفاعلات متشابهة في كل مرة، أول حل يصل إليه عضو في الفريق يجعل بقية الفريق يسارعون لتنفيذ هذا الحل، مع تحول التفكير من البحث عن حل للمشكلة، للتركيز على إمكانية تطبيق هذا الحل الأول.
الحلول الأولى لأي مشكلة ليست بالضرورة الأفضل
الإجابة الأولى على السؤال المستعصي ليست بالضرورة الأفضل أو تلك التي توجب إنهاء التفكير في الإجابات المحتملة. بل إن تيم هرسون Tim Hurson في كتابه المعنون ‘فكر بشكل أفضل’، يقسم حلول أي مشكلة مستعصية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأولى وهو البديهي، الثاني وهو الأكثر إثارة للاهتمام، على أن القسم الثالث هو الأكثر إبداعا ونبوغا.
تطلب تينا من قراء كتابها ألا يقعوا في هذا الفخ الذهني، وتطالبهم بالاستمرار في التفكير في حلول جديدة للمشاكل والمعضلات التي يمرون بها. حين تصل إلى حل ما لمشكلة ما، اكتبه على الورق، ثم لا تفكر في تفاصيله، بل استمر في التفكير في حلول ممكنة أخرى، وبدورها اكتبها على الورق وهكذا، حتى تحصل على باقة من الحلول الممكنة، وبعدها تبدأ في التفكير في جدوى كل حل وكل إجابة، وستجد أن الاستمرار في التفكير وكتابة الحلول هو الحل الأفضل الفعلي!