“إضــاءات”- جديد حنا نور الحاج

“إضاءات”- جديد حنا نور الحاج

'إضاءات'- جديد حنا نور الحاج

صدر حديثًا كتاب “إضاءات” للمربي والزميل حنا نور الحاج من عبلين، وهو “جولات في نصوص أدبية مقررة في منهاج اللغة العربية لطلبة المرحلة الثانوية”. وأهدى الكاتب إصداره إلى الوالدين وزوجته وابنيه وتلميذه الشهيد أسيل عاصلة، وإلى “كلّ مَن أفادوني في مضمارَي الدراسة والتدريس -طلبةً ومعلّمين وزملاءَ.” وجاء في مقدمة الكتاب ما يلي: “هي جولات، لا صولات. جوانب تحليليّة، لا تحليلات كافية وافية. “منذ أعوام ثلاثة أو أربعة، بدأتْ “قصّتي” مع هذه المساهَمات التحليليّة الأدبيّة. “بعد مضيّ عَقد ونصف العَقد على التحاقي بمهنة المتاعب والمتع (التدريس -وآمل ألاّ يثير هذا الادّعاء حفيظة إخوتنا الصحفيّين!)، توافرت لديّ موادُّ تحليليّةٌ لا بأس بها، إلى جانب التجربة التدريسيّة غير القصيرة، والمقدرة المقبولة على التناول التحليليّ لكثير من النصوص الأدبيّة المقرَّرة في المنهاج التدريسيّ. ونظرًا لأنّ ساعات التدريس المخصّصة لتعليم اللغة العربيّة في المرحلة الثانويّة لا تكفينا، إلى حدٍّ ضاغطٍ، ولأنّ موادّ المقرَّر التدريسيّ ليست قليلة العدد، عملتُ بنصائحِ مَن أشاروا عليّ بإمكانيّة تدارُك التقصير وتوفير كثير من الوقت، بأن أبذل وقتًا وجهدًا مضاعفَين في المنزل، وذلك عَبْرَ إعداد ما أقوم بشرحه في غرف التدريس مطبوعًا في بعض الأحيان، ومن ثَمّ توزيعه على الطلبة. “وهكذا حقّقتُ أكثر من هدف، ووقعتُ في أكثر من مأزق: “من ناحية، وفّرتُ على نفسي وعلى طلبتي (في ثانويّة مار إلياس في عبلّين) ساعات كاملة عديدة مديدة وثمينة، وأرحتُ أناملهم من كتابة معظم ما أتفوّه به أو أُمْليه عليهم خلال الحصص، وخفّفتُ عنهم عناء محاولة تدوين كلّ معلومة (أو مجهولة!) تُتلى على مَسامعهم من باب التحليل والشرح (وتلك، بلا ريب، محاولة محكومة بالإخفاق في الغالب، وغير مجدية). ولا بأس من التأكيد هنا أنّني، في الأوقات التي أمضيتها في الإعداد والكتابة والطباعة، التفتُّ إلى أمور وإمكانيّات واحتمالات تحليليّة غير قليلة، فاتتني أولم ألتفت إليها قبلذاك، أثَّرتْ كلُّها في ما نشرْتُه، وأثْرَتْهُ. “من ناحية أخرى، أخذتْ خشيةٌ من الاتّكالِ تعتريني: اتّكالِ الطالب على هذه الموادّ المطبوعة اتّكالاً شبهَ كلّيّ؛ واتّكالي أنا كذلك عليها، إلى حدٍّ بِتُّ فيه أحسّ أحيانًا أنّي لست مضطرًّا على الدوام إلى تناول كلّ جوانب النصّ، إبّان سير الحصّة التدريسيّة. “بعض ما يرد في هذه المساهَمات التحليليّة كتبتُه بتأثّر ببعض المراجع (أحيانًا قمت بالإشارة إليها) تأثّرًا مباشرًا واعيًا، أو غير واعٍ وغير مباشر. وثمّة بعض منه هو ثمرة إفاداتي من أساتذتي ومن زملائي ومن طلبتنا؛ فالتعليم -على حدّ تعبير بعضهم- هو التعلُّم مرّتين. ورحم الباري مَن قال: “مِن معلّمِيَّ تعلّمت الكثير، ومن زملائي تعلّمت أكثر، ومن تلاميذي تعلّمت أكثر وأكثر”. لكلّ هؤلاء، لأساتذتي وزملائي وطلبتي، لهم جميعًا وفير امتناني؛ فمنهم أتعلّم وأجني الفائدة. أقول هذا ببالغ الفخر بهم، لا من باب الظهور بمظهر الدمِث المهذَّب المعترِف بالجميل. “المستقري لهذه المجموعة من المحاولات التحليليّة سيلحظ انعدام منهجيّة في التناول وتفاوتًا واضحًا ما بين تحليلات موسَّعة وأخرى أدنى إلى الاقتضاب. بينها، طولاً وامتدادًا واستيفاءً وأسلوبًا. يمكن أن يُعزى هذا التفاوت إلى ثلاثة أمور: أوّلها أنّي توانيتُ عن إعادة صياغة ما احتاج منها إلى مزيد من التوضيحات والشروح والتطرّقات؛ وثانيها أنّه لم يكن لديّ، منذ ما قبل التفكير في النشر (أي منذ بداية “القصّة”)، تخطيطٌ مبلوَرٌ أو تصوُّر جليٌّ مسبَق لِما أنا مُقْدِم عليه؛ وثالثها أنّي أحيانًا قيّدتُ نفسي وحدّدتها بحاجة طلبتي أنا، وذلك أنّ كثيرًا من التفصيليّات والملاحظات الأسلوبيّة أتناولها خلال سير الحصص، ولكنّي لم ألزِم نفسي هنا دومًا بتناولها وتفصيلها. “من جهة أخرى، غالبًا تعمّدتُ عدم تناول حياة الأدباء أصحاب النصوص المتناوَلة، وذلك لتجنّب صدور هذا الكتاب مضخَّمًا، ولتوافر موادّ كثيرة وواسعة في عديد من المراجع حول هؤلاء وغيرهم، ولعدم رغبتي أن يكون هذا الكتاب بديلاً لسواه من الكتب التي يستعين بها الطلبة. “من ناحية أخرى، لا مناص من الإقرار بأنّه لا الكمال ولا التكامل من نصيب أيّ من هذه المساهَمات. إضافة إلى كوني محدودَ المعرفة (وتلك حقيقة إنسانيّة، لا تواضع، ولا ادّعاء تواضع)، وإلى جانب كون المساهَمات هذه حصيلةَ جهدٍ فرديٍّ (وهذا النوع من الجهد عرضة -في المعتاد- لأن يُنتَقَص منه)، جاء عدم التكامل هذا أحيانًا، في حالتي هذه، وعيًا منّي بتوافر كتب مساعِدة لطلبة المرحلة الثانويّة تناولَتِ العديدَ من الجوانب التحليليّة التي لم أطرقها. “هذه الكتب المساعِدة لستُ ممّن يصوّبون إليها سهامَ النقد الجارح الهادم، ولا ممّن يكيلون لها مديحًا خاويًا مُجامِلاً. هي حصيلة جهود واجتهادات وتعب وسهر وبحث لا تُنكَر. هي كتبٌ لها أهمّيّتها، لكن ثمّة مُهِمٌّ آخَرُ لا ننساه ولا نتغافل عنه: أن يُدْلي معلّمو الأدب العربيّ الآخرون بدِلائهم. ليكتبِ الأساتذة، ولْيَجْنِ التلاميذُ المنفعةَ! هذا أجْوَدُ ما ينطوي عليه انعدامُ التكامل، إذ يُبقي أبواب الاجتهاد وطرح التحليلات الأخرى مشرَّعة أمام الزملاء المعلّمين. صحيح أنّي ربّما أسوق هذا الكلام مبتغيًا أن أحظى برأفة المنتقِدين والمنتقِصين المحتمَلين، غير أنّي لا أرتضي للزملاء معلّمي الأدب العربيّ أن يضعوا كلّ اتّكالهم عليَّ (فلستُ -والحقّ يقال- أهلاً لكلّ ذاك)، أو على أيّ زميل آخر يحاول أن يقدّم نظرات تحليليّة في منهاج الأدب. لا أرتضي أن أَسلبهم دَوْرَهم (أو حقَّهم! أو واجبَهم!) في التناول والتنقيب والفهم والإفهام والشرح؛ إذ لا يخفى على كلّ مُدرِك أنّ معلّم الأدب الذي لا يعتمد إلاّ على المراجع والكتب المساعِدة، ولا يعطي شيئًا من ذاته أو من فهمه، وبأسلوبه الخاصّ، هو معلّم محدود النجاح في إثارة انتباه الطالب واهتمامه. واهتمام الطالب بالأدب -في رأيي- لا يقلّ أهمّيّة عن نجاحه أو تفوّقه فيه دراسيًّا. “معظم المحاولات التحليليّة التي يتضمّنها هذا الكتاب سبقَ أن نُشرَت في وسيلتين إعلاميّتين محلّيّتين، وبعض من هذا المعظم نُشر في موقع مدرستنا “ثانويّة مار إلياس”. “ختامًا، أتمنّى أن يُدْلي الزملاء والزميلات وغيرهم بآرائهم وأفكارهم حول كلّ نصّ تناولته، إضافاتٍ وتعقيبات واعتراضات وتوضيحات (واستيضاحات إن اقتضت الحاجة). أتمنّى هذا طمعًا في أن أفيد من فيض عطائهم وتجاربهم. ليتنا نبقى تلاميذ!”.

m2pack.biz