إطار تحليلي لكتاب عبدالوهاب صديقي.. الخطاب السياسي المغربي وبلاغة الجمهور
تنتمي «بلاغة الجمهور» لعماد عبد اللطيف إلى المشاريع البلاغية المجددة في حقل الدراسات البلاغية العربية، لا سيما أنها أسّستْ إبدالا معرفيا يخالف التصورات البلاغية المتوارثة؛ فقد ركزت بلاغة الجمهور على الطرف الأضعف في العملية التواصلية، وهو المخاطب الذي سيتحول إلى الجمهور. وهذا الانتقال من المخاطب إلى الجمهور لم يكن عبثيا، بل له ما يستند إليه من تصور أبستمولوجي في الإطار التنظيري لهذه البلاغة.
يتأسس تصور بلاغة الجمهورعلى بعدين اثنين، أحدهما أكاديمي والآخر بيداغوجي/ تربوي، يرتبط البعد الأول بالدراسات الأكاديمية التي تؤسس التصور العام الذي يحتضن بلاغة الجمهور أبستمولوجيا وفلسفيا، ومن خلال البحث في الروافد المعرفية التي تمتح منها. أما البعد الثاني فيهتم بتقديم عدة إجرائية تشبه ما وضعه السكاكي ومُتقيّلوه من قواعدَ بلاغية لفائدة المتكلم قصد التأثير في المخاطب وإقناعه، غير أن عدة بلاغة الجمهور تسعى إلى وضعها بين أيدي الجماهير قصد تقويض سلطوية خطاب المتكلم، ومن ثم نكون أمام مفهوم أساسي في هذه البلاغة، وهو مفهوم السلطة الذي يستدعي بدوره مفهومين آخرين لا غنى عنهما للباحث في هذه البلاغة، وهما مفهوما الاستجابة والجمهور.
يُعدّ الباحث عبد الوهاب صديقي من أوائل الباحثين الملتفين حول مشروع «بلاغة الجمهور»، فقد أسهم في تنسيق الكتاب الجماعي المعنون ب«بلاغة الجمهور.. مفاهيم وتطبيقات» (2017 ) بمشاركة الباحث صلاح حسن حاوي، كما ضم هذا الكتاب الجماعي دراستين له، وهو أول عمل جماعي يهتم ببلاغة الجمهور، بعد أن كانت الكتابات فيها تكاد تقصر على أعمال صاحب المشروع عماد عبد اللطيف، وفي هذا السياق يَرِدُ كتاب «بلاغة جمهور الخطاب السياسي» للباحث عبد الوهاب صديقي، إذ يعد أول كتاب فردي يهتم بهذا المشروع البلاغي الجديد.
قسّم الباحث مادة كتابه على ستة فصول تَصدَّرها تقديم الباحث عماد عبد اللطيف، الذي أشار فيه إلى تعالق المفاهيم التي استخدمها الباحث في كتابه، وهي مفاهيم ذات خلفيات متنوعة تصل إلى درجة انفتاح الباحث على المقاربة الفرنسية في تحليل الخطاب، على عكس عماد عبد اللطيف الذي يستند إلى المقاربة الأنجلوسكسونية؛ فهل يعد ذلك توسيعا لمقاربة بلاغة الجمهور؟
يقارب الباحث في كتابه الخطابَ السياسي المغربي المعاصر من زاوية بلاغة الجمهور، وهو بذلك يبقى مرتبطا بالخطاب السياسي الذي اشتغل عليه عماد عبد اللطيف حين تأسيسه لمشروعه البلاغي، ونجد لهذا الارتباط الوثيق أسبابا أهمها أن الخطاب السياسي يتمظهر فيه تشكل سلطة الخطاب القائمة على الهيمنة والسيطرة على الجمهور، بالإضافة إلى أن هذا الخطاب يكثر فيه توظيف السفسطة في عمليتي التأثير والإقناع. وقد جاءت فصول الكتاب الستة على الشكل الآتي:
الفصل الأول: بلاغة الجمهور مفاهيم وآفاق
عرّف الباحث في هذا الفصل «بلاغة الجمهور» مع التركيز بشكل كبير على جرد أهم مفاهيم هذه البلاغة، انطلاقا من كتابات عماد عبد اللطيف، ثم ختمه بالحديث عن آفاق بلاغة الجمهور في الجامعات العربية.
الفصل الثاني: في بلاغة الخطابة السياسية العربية المعاصرة
تحدث الباحث في هذا الفصل عن علاقة البلاغة بالسلطة؛ ولهذا الترابط إشكالية تخدم تصور بلاغة الجمهور التي أسست لتقويض سلطة الخطاب، كما أشار إلى علاقة البلاغة بالهوية؛ فالبلاغة تبقى تعبيرا عن الذات بحمولاتها الثقافية والفكرية وغيرهما.
الفصل الثالث: بلاغة الخطابة السياسية المغربية المعاصرة
رصد فيه شعرية الخطابة السياسية المغربية المعاصرة، انطلاقا من نموذجين اثنين من مدونة برلمانية، كما أشار فيه إلى أهمية مقاربة بلاغة الجمهور التي ربطت البلاغة بهموم الإنسان عبر دراسة الخطاب السياسي بشكل عام والخطابة السياسية بشكل خاص.
الفصل الرابع: سمات خطابة بن كيران
أفرد الباحث هذا الفصل للحديث عن سمات خطابة بن كيران، رئيس الحكومة المغربية السابق، بشكل مفصل وواضح مع إعطاء أمثلة موضحة لكل ما يذكره، لكن الملاحظ هنا أن الباحث لم يُشر إلى الجمهور وبلاغته إلا لماما، وذلك مرتبط بموضوع هذا الفصل، فهو يحتم عليه التركيز على منشئ الخطاب لا على الجمهور الذي يتلقى الخطاب.
الفصل الخامس: بلاغة جمهور الصورة السياسية في الوسائط الرقمية: صورة بن كيران نموذجا. أما في هذا الفصل، فقد حلل الباحث مجموعة من الصور التي تفاعل معها الجمهور المغربي في الفضاء الافتراضي، وتجسد تلك الصور مقاومة بلاغة الجمهور بلاغة السلطة بشكل واعٍ.
الفصل السادس: الخطاب السياسي المغربي من منظور التحليل النقدي للخطاب
وأخيرا، تحدث الباحث عن الخطاب السياسي المغربي المعاصر من منظور التحليل النقدي للخطاب، فعرّف بداية الخطاب السياسي محددا خصائصه واستراتيجياته التي استمدها من الباحث باتريك شارودو، ثم انتقل إلى تطبيق التحليل النقدي للخطاب على نموذج من الخطاب السياسي المغربي.
إن أول ما قد يسأل عنه القارئ هو: ما الجدوى من تحليل الخطابات وفق مقاربة بلاغة الجمهور؟ وجوابا عن ذلك، وضح كل من الباحثين عماد عبد اللطيف وعبد الوهاب صديقي أن الهدف من ذلك هو تنوير القارئ بشكل عام بالآليات التي يعتمدها الخطاب السياسي، وهذا التعرّف هو غاية في ذاته؛ فمن شأن ذلك بحسب الباحثَين أن يقلل من قدرة الخطاب السياسي على ممارسة التلاعب والتضليل. وهذا المسعى يرتبط بنظرة إيجابية ونبيلة تجاه الجمهور، تستوحيها بلاغة الجمهور من التحليل النقدي للخطاب؛ فبلاغة الجمهور والتحليل النقدي يشتركان في دراسة الخطاب السلطوي، قصد تعريته ومقاومته، كما أن التحليل النقدي للخطاب يعد رافدا معرفيا لبلاغة الجمهور.
هناك مجموعة من الملاحظات المتعلقة بهذا العمل، أهمها أن الباحث في تحليلاته يطبق مجموعة من مفاهيم بلاغة الجمهور على خطابات سياسية، وتلك المفاهيم تشكلت سابقا كذلك في مجابهة الخطابات السياسية مع عماد عبد اللطيف، وبذلك نصبح أمام بلاغة للخطابة السياسية، فهل يمكن الاطمئنان إلى تلك المفاهيم في تحليل خطابات أخرى، كالخطاب الإعلامي والديني والإشهاري؟ وهذا السؤال يرتبط بجانبين، يتعلق الجانب الأول بالبعد المفهومي؛ إذ على المشتغلين ببلاغة الجمهور أن يبتدعوا مفاهيم جديدة بشرط أن تحافظ على نسق هذه البلاغة، ولن يتحقق ذلك إلا بالبحث في المفاهيم من زاوية إبستمولوجية، أما الجانب الثاني فيتعلق بسؤال المنهج في هذه البلاغة، فبلاغة الجمهور إلى الآن ليست منهجا قائم الذات، ومن ثم نلحظ مع من يعتمدونها مقاربة لتحليل خطابات الجماهير استلهامهم أدوات إجرائية من حقول معرفية متنوعة، ولا يمكن التأسيس للمنهج إلا بأعمال من قبيل هذه الكتاب موضوع القراءة مع الانفتاح على خطابات أخرى ووسائط أخرى كذلك.
٭ كاتب مغربي
إطار تحليلي لكتاب عبدالوهاب صديقي: الخطاب السياسي المغربي وبلاغة الجمهور
عادل المجداوي