عطفًا على قول موران: (إن كل معرفة هي ترجمة وإعادة صياغة).. كان علينا أن نبدأ من بداية الألفية الثالثة في ترجمة وإعادة صياغة أنفسنا معرفيًا. لنعرف ونبني معرفة لنا في عصر لنا، ونريده أن يظل لنا.
تعتمد إعادة صياغتنا أو تعريفنا، اليوم، بشكل كبير على رفيقنا الذي اخترعناه (الحاسوب)، نظيرنا في التفكير والتنظير ووضع الخيارات والبدائل. بدونه لا تكون لنا معرفة ولا حضارة تجمعنا وتحمينا في صيرورتنا. وكما يمنحنا موروثنا الثقافي الهوية، كذلك يمنحنا منتجنا الحضاري الحالي خصائص جديدة لهوية جديدة لمختلف منطلقاتنا الحضارية. ولكي نستهل انطلاقنا (صحيحًا) ولا نفقد التوازن، بمعنى ارتقائنا الجديد “تدريجيًا”، علينا ألاً نفقد حلقة الوصل في تعلمنا الحضاري، لعله مثلما ابتدأ الإنسان بالنطق الشفهي لترجمة فكرة، ها هو يعيد الكرة، شفاهيًا، إلكترونيًا، وها هي خصائص كثيرة تحدد مرحلتنا الراهنة، أبرزها:
ليس لنا إلا تمثلنا اللغوي على كل الأصعدة المادية والمعنوية على الرغم من تداخل المادي والمعنوي.
الانقسام والتشظي الثقافي والاجتماعي والجيوسياسي.. وتمثيل المتناقضات والتوسعة الكونية للجميع، والتحرر من قيود المحلية مع التجسد محليًا.
اختفاء الحقيقة الثابتة والدائمة، انعدام الأصول وليس هناك إلا الأسطح والنسخ.
يبرز هنا، مفهوم (المصفوفة) matrix لدى بودريار، وأيضًا مفهومه للمماثلات simulacrum، أو (الواقع
الافتراضي)، كحقيقة يتم تكوينها بالمحاكاة، حيث لا يوجد أصل، والمجتمعات البشرية تعيش في عالم من الصور في شكل محاكاة، الحقيقة منتج قيم مواصفات جماعية.. بالأحرى، إنه عصر المكرر، المنسوخ، الأصل الغائب، وربما المنطلق البدائي الإلكتروني.. موجة من البحث عن الأنا الجديدة، الغائمة في العمق المتخفي.. أنانا التي تتمظهر في التعبير اللا مستقر، المتماشي مع الحال المتغير بكل لحظة وحين في الثقافة الإلكترونية، حيث انتشار المعاد إنتاجه (نسخ لصق)..! إن الشفاهي الإلكتروني، معظمه من هذا القبيل.
تجاذب الفكرة الواحدة أو الطوفان الأفكار المتشابهة، التشابه في الإدراج والنشر، والتصوير والتذكير، التشابه في الإيماء والإيحاء، في السرعة والإعادة.. قليل هم المفكرون الذين يبدعون إلكترونيًا، وأيضًا الذين ينشرون جديدًا في هذا الوسط غير المحدد زمكانيًا.