:
2من اصل3
وهكذا، نجد أن المجانين على اختلاف أنواعهم – سواء أكانوا هائجين أم خائري القوى، يمارسون العنف أم لديهم نزعة للانتحار، مخربين ومشعلين للحرائق أم وقحين (لم يكن هناك اهتمام بتشخيص نوع الجنون، بقدر ما كان يهم مراقبة السلوكيات الناجمة عنه) – كان يجري حبسهم واحتجازهم من قبل عائلاتهم، سواء بشكل مؤقت تحت أو بشكل دائم، إما في زاوية بالإصطبل، وإما في حجرة صغيرة رتبت على عجل سلالم مخزن الغلال، وإما في كوخ صغير في آخر الحديقة. وإذا كان أحد الأقارب (ذلك أن العائلات كانت أكثر عددا فيما مضى) يمتلك المال اللازم، فقد كان يعهد بقريبه المجنون إلى إحدى الجماعات الدينية. وتخصصت الأديرة البنديكتية في قبول الحالات المماثلة. وبعضهم كان يعيش بمفرده في مسكن متداع أو كوخ حقير بعيدا عن القرية؛ حيث كانوا يعيشون على السرقة والنهب بدلا من استجداء المعونات والمساعدات الخيرية.
وبطبيعة الحال، لا نجد في السجلات المحفوظة أي تعداد لأولئك المجانين. هل كان عددهم كبيرا؟ على الأرجح لا، ولكنهم كانوا موجودين بالفعل.
ومع ذلك، اعتبارا من القرن الثالث عشر الميلادي، بدأت السجلات تذكر أولئك المجانين الهائمين على وجوههم و”المتشردين” [الذين لم يتعرف عليهم أحد، وبالتالي لا يوجد لهم ضامن ولا كفيل]. وهنا برز سؤال خطير يطرح نفسه: من الذي سيتكفل بمصاريف هؤلاء؟ ففي سياق مستوى اقتصادي يكفي المرء بالكاد للبقاء على قيد الحياة، ما من أحد – أفرادا أو جماعات – يقبل أن يُثقل كاهله بأعباء رعاية غرباء. وكانت هذه هي الحال في المدن الكبرى على وجه الخصوص؛ حيث انضم المجانين المشردون إلى المتسولين لكسب قوتهم. وبناء على ذلك، ساد الاتجاه نحو “انعدام التسامح”، كما أن البلديات رأت أنه يكفيها ما تواجهه من مشاكل فيما يتعلق بالمجانين التابعين لها.
ومن ثم، تم طرد المجانين “المتشردين”؛ وهو ما حدث في ألمانيا: حيث تم إقصاء 43 مجنونا في هيلدسهايم في الفترة من 1384 إلى 1480،