اشتهرت الثورة الفرنسية– التي اندلعت في الخامس من مايو 1789– على غرار جميع الثورات الأخرى، بأنها “طوت صفحة الماضي”. فإذا حاولنا البحث في تاريخ مرحلة اليعاقبة وما بعد اليعاقبة– وحتى عصرنا الحالي– عن الإنجازات الإيجابية للنظام القديم، فلن نجد شيئًا. بل إن مصطلح “النظام القديم” نفسه، الذي عممه ميرابو في عام 1790، يعد تعبيرًا تحقيريًا؛ إذ يشير إلى مجتمع ظلامي ورجعي كان ينظر إليه على أنه مرتع للتعسف والمظالم. وحتى لا تحيد عن موضوعنا الرئيس، فقد سطعت شمس 1789، بعد ليل اجتماعي وطبي طويل، تحمل معها ربما رياح الإصلاحات الإنسانية الواسعة. وهكذا نجد أن الإصلاحات التي بدأت في نهاية عهد لويس السادس عشر، لم يتم إلغاؤها فحسب بفعل الأحداث (بينما كانت بالكاد قد بدأت) بل وحجبت أيضًا، وكأنها أسقطت من التاريخ. فالثورة الفرنسية وحدها كان يمكنها إنتاج العمل الخيري الإنساني. وهكذا لم يكن للتاريخ الفرنسي، ذلك التاريخ الحافل بالتقدم والتضامن، أن يبدأ إلا مع بزوغ الثورة الفرنسية وبفضلها.