ابن مسكويه 140 من 297

ادنى شك تتعلق بنا ، وكذلك الرذيلة تتعلق بنا ايضا . . . واذا كان اتيان الفعل الصالح يتعلق بنا فانه يتعلق بنا ايضا ترك الفعل المخجل ويقتضى ذلك ان يحقق الفاعل فى نفسه شرطين بالاضافة الى العلم هما : استقامة النية والمثابرة ، ومن ثم يصبح الفعل صادرا عن ملكة ثابتة ( ومن يتوهم ان المثابرة غير لازمة للحصول على الكمال ، مثله مثل المريض الذى يريد الشفاء ولا يستعمل وسائله ) .

وهذا بايجاز بعض معالم المذهب الارسطوطاليسى فى الاخلاق ، الذى لم يسلم من بعض الماخذ التى وجهت اليه – لا سيما من فكرة الوسط فان هذا الضابط لا يصلح لكل الفضائل ، فان الصدق مثلا هو مطابقة الخير للواقع ، ويظهر تكلف ارسطو حين يقول : ( ان الصدق وسط بين التبجح وبين التواضع الكاذب ) .

ولعل اهم ماخذ فى نظريته الاخلاقية ، يمكن ان يستند الى مذهبه الغائى نفسه . فاننا نعلم انه يثبت الغائية فى الطبيعة ، فالطبيعة عنده تعنى امرين هما : المادة والصورة ، فالصورة هى الغاية التى من اجلها يتم انجاز الشئ فاذا لم تتحقق الغاية من اى موجود طبيعى كما يحدث بالنسبة للمسخ ( فاننا نقول انه قد حدث فشل من المجهود الغائى ) . هذا ما لا حظه فى صوره الحياة المختلفة من ادناها الى اعلاها ، اذ ان جذور النبات التى يمدها الى باطن الارض تمده بالورق والاوراق تمد الثمار بظل يحميها ، والطائر يبنى عشه ، والعنكبوت ينسج بيته . . .

m2pack.biz