للشخصيات التاريخية البارزة أثر ظاهر فى احداثة ، فليس المجتمع مثلا هو الذى يبتكر اللغة ويزيد فى ثروتها ، وانما المجهود الفردى له أثر كبير فى خلقها وتوسيع دائرتها وتجديد حياتها ، وكل ابتكار فيها بدأه شخص معين ثم احتذاه غيره من الناس والنوابع ، فى ذلك أشبه بالرواد يسيرون فى طليعة الانسانية ويمهدون لها الطريق ويزيلون ما فيه من العقبات والموانع وينصون الأعلام والأضواء ويمر بعدهم جمع الانسانية .
ولكن الرجل العظيم مثل الدوحة الفارعة تستمد حياتها من الرطوبة السارية فى التربة ومن الضوء والهواء اللذين تتلقاهما من الجو ، وقد كان كارلايل فردى النزعة غالبا فى فرديته فلم يوجه التفاته الى الوحدة العضوية وتضامن النوع الانسانى والقوى الاجتماعية الخالقة ، واكتفى بالوقوف على أعمال القادة والأتباع ، وقد كانت الظلال المتكاثفة الضخمة التى يلقيها الأبطال تحجب عن ناظره أثر الفكر القومى الذى كان هؤلاء الأبطال ألسنته الناطقة ومفسرى غرائبة ، وقد خصص الكاتب الكبير امرسن لنفس الموضوع الذى تناوله كارلايل كتابا أسماه ( الرجال الممثلون ) وهو نقد صامت لنظرية كارلايل وتفنيد قوى لمداولتها ، وعندى أن رأى امرسن فى اعتباره العظماء ممثلين لعصورهم أقرب الى الحق من رأى كارلايل .
والنظرية الثانية أكثر أنصارها من علماء الاجتماع وفى مقدمتهم الفليسوف المعروف هربرت سبنر ، وهم على مابينهم من اختلاف متفقون جميعا فى مسألة أن الانسان من خلق الوسط وأنه ثمرة من ثمراته ، وهجل يسمى الوسط الاجتماعى روح العصر ، ويرى هذا