ابن مسكويه 59 من 297

 

ابن مسكويه

والاختصار، ما يعلم به أن ضروره البرهان تقود كل النظر إلي التوحيد والاقراربالصانع الأول الأحد الذي أبدع الأشياء كلها وتعالي عنها علوا كبيرا، وأن القوم الذين علمونا إياها لم يكونوا لينتحلوا غيره ويعتقدوا سواه، فجل عني مشابهه النظر والمثيل.

من الاستدلال بالحركه علي الصانع وأنها أظهر الأشياء وأولاها بالدلاله عليه جل وعز

قد قلنا ان الاجسام الطبيعيه أقرب الأشياء التي يبحث عنها إلينا ، لأننا بعضها ومناسبون لها . وكذلك نحسها بالحواس الخمس .

وذلك أن كل حاسه إنما تحس من الأمور بما لأمها لأن حاسه اعتظالا موضوعا لها .

مثال ذلك أن الذوق يحس بالرطوبه للرطوبه المخالفه السمع يحس بالهواءللهواء المخالف، واللمس يحس بالأرض للأرض ، والبصر بشعاع ناري لشعاع ناري وهكذا .

فأما الشم ، وهو الخامس، فانه مركب لانه إدراكالبخار، والبخار مركب من الهواء ، والماء ، وينبغي أن يذكر حال واحده منها ليستدل بها علي أحوال الباقيات .

فأقول : أن الهواء الموضوع لتجويف الأذن له اعتدال موافق لقبوله ، فإذا تغير بهواء آخر يطرقه مما فيه حركه وإقراع ، أحس به الا نسان ، وكذلك حال الرطوبه الموضوعه للسان .

وأقول الأن : أن لكل جسم طبيعي حركه تخصه .

وذلك الجسم ما كان منه موجودا وما كان منه متكونا ، فأنما قوامه بصورته الخاصه ، وصورته الخاصه به هي المقومه لذاته ، وذاته هي الطبيعته ، وطبيعته هي مبدأ حركته الخاصه وهي التي تحركه إلي تمامه .

وتمام كل شي هي ما لاءمه ووافقه .

وكذلك كل متحرك يتحرك إلي تمامه فهو بالشوق ،

m2pack.biz