4من اصل4
فما أهمية أننا نتعرض للخداع عندما نتصدق أو نعطي الفقير؟ يقول القديس توماس الفيلانوفي: الأمر لا يعنينا في شيء كما أننا، بالمنطق نفسه، لا نستحق الثواب الأبدي الذي نناله كمكافأة عن هذا الفعل.
ولكن هذا لا يمنع أن قمع الضالين والمتشردين، وبالأخص احتجازهم، بدأ يدخل حيز التنفيذ، ومن جديد برزت إيطاليا في الصدارة. هذه هي الحال في روما، التي كان المتسولون يتدفقون عليها من جميع أنحاء إيطاليا، إلى الحد الذي جعل مونتين يقول مازحًا في كتابه “دفتر يوميات الرحلة إلى إيطاليا”: إن “كل فرد، كان يأخذ حصته من إعانات البطالة الكنسية.” وفي عام ١٥٨١ ، أنُشِئ أول مستشفًى في عهد البابا غريغوريوس الثالث عشر، واحتُجِز به ما لا يقل عن ٨٥٠ شخصًا ما بين متسول وعاجز وكفيف. عقب الانطلاقة الحماسية التي رافقت التأسيس، لم تدم هذه المشافي العامة لوقت طويل، ويرجع ذلك لأسباب مالية. في نهاية القرن السابع عشر، كانت روما بصدد إنشاء المشفى الثالث للفقراء، الذي سرعان ما وصفه “عامة الناس” بأنه مأوى للهالكين الميئوس منهم (حيث لا ينال الشخص إلا اليسير من العناية بانتظار موته). وقد أوفد البابا إينوسنت الثاني عشر واحدًا من طلائع اليسوعيين، وهو الأب جيفار، لمواجهة الرأي العام. ورد هذا الأخير على ذلك الادعاء قائلًا: إن هذا الكلام ليس صحيحًا، وحتى إذا ثبتت صحته، فإن ذلك الأمر لن يعدو أن يكون في النهاية إلا عقابًا على خطيئة التسول.
فرضت هذه المسألة نفسها بقوة في فرنسا، خصوصًا أن هذه الدولة كانت هي الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أوروبا (فقد بلغ عدد السكان في أوائل القرن السادس عشر 16 مليون نسمة)، وبالتالي كان عدد الفقراء بها كبيرًا مقارنة بالمناطق الأخرى. ورغم ذلك كان لا بد من الانتظار فترة طويلة بما فيه الكفاية إبَّان ولاية الملك فرانسوا الأول حتى تتضاعف المراسيم المَلَكية بهذا الخصوص. فالإعلان الملكي الصادر في ٧ مايو 1526 تصدى في البداية لمشكلة أكثر أهمية، كما هي الحال بالنسبة إلى روما، تتعلق بالعاصمة.