ازرع المبادئ، لا الأفعال عند الطفل
ربما يكون مفهومك عن التربية السليمة هو أن تقوّم أفعال طفلك الخاطئة وتخبره عن الفرق بين الصواب والخطأ. لكن الأمر لا يتعلق فقط بالأفعال الصادرة منه. فهناك الكثير من المبادئ والأفكار التي لن يتعرض إليها طفلك أثناء نموه، وربما يفاجأ بها فيما بعد، ولن يكون قادرا على مواجهتها بشكل مناسب حينها لانعدام خبرته. مهمتك نحو تحقيق التربية السليمة هي أن تزرع المبادئ والقيم داخل طفلك منذ اللحظة التي يتمكن فيها من فهم معاني هذه الكلمات. وزراعة القيم هنا تعني أن تغرسها جيدا داخل أعماق طفلك، وأن ترويها بعناية بوضعه في مواقف مختلفة يتعلم منها كيف يتمسك بها، وأن تتأكد من قدرته التامة على الاستناد إلى مبادئه هذه عند الاحتياج. لذلك، اعرف أولا الأشياء التي تراها حتمية ليتعلمها طفلك من أجل التربية السليمة، ثم ابدأ في البحث عن كيفية تقديمها إليه وغرسها فيه. حدثه عن الصدق، ثم أره ذلك بأفعالك، ثم اجعله يُدخله هو أيضا في أفعاله. حدثه عن الأمانة، ثم أره أمانتك، ثم ضعه في المواقف التي تستدعي الأمانة وأخبره كيف يتصرف. علمه الثبات على حسن الخلق، ثم أره حسن خلقك، ثم ضعه في أماكن تختبر حسن خلقه، وأره كيف يظل متمسكا بمكارم أخلاقه.
أنت لن تكون موجودا دائما من أجل طفلك. سيكبر ذلك الفتى الصغير وسيواجه الحياة بمفرده، ولن تتمكن حينها من الوقوف بجانبه وتصحيح مسار حياته من أجله كما هي الحال الآن. لأن هذه هي مهمتك الآن، ليس حينها. التربية السليمة منذ الصغر هي التي ستكون بجانبه عندما يحتاج إلى مساعدة. لذلك، لا تأل جهدا في غرس أي مبدأ حسن في نفس طفلك. ولا تأل جهدا في التأكد من ثباتها بالأفعال والمواقف. ولا تأل جهدا في التأكد من أنه سيكون قادرا على مواجهة الحياة بمفرده عندما يأتي ذلك الوقت.
طفلك لديك منذ صغره حتى بداية مراهقته، عجينة لينة بإمكانك تشكيلها بأفضل شكل ممكن. بعد هذه المرحلة، سيجد طفلك نفسه مُشكّلا بطريقة معينة، ولن يجد صعوبة في معرفة أن ما هو عليه الآن، ما هو إلا نتاج التربية التي ربيتها أنت له. وهذه التربية إما أن تكون التربية السليمة أو التربية الخاطئة. وصدقني عزيز القارئ، أنت لن تريد أن يصل طفلك إلى تلك المرحلة، فيجد أن والديه قد شوّها تلك العجينة، وتركاه في مواجهة معركتين، المعركة الأولى من أجل إصلاح ما أفسدتماه أنتم. والمعركة الثانية من أجل التكيف لمواجهة الحياة الجديدة التي هو بصددها الآن.