استيعاب السرد في الأفلام 1 من أصل 2
تروي الأفلام قصصًا؛ وتمتزج التفاصيل الإدراكية للفيلم لتشكِّل معًا بنيةً كلِّيَّةً تكون، في معظم الأفلام، ذات طبيعة سردية. ومن هنا، لكي يَفهَم المشاهدون الفيلم، عليهم أن يتبيَّنوا الطريقة التي تلتَئِم بها أجزاء القصة فيما بينها. ويذهب بوردويل إلى أن عملية استيعاب السرد تمثِّل بؤرة اهتمام مثاليَّة للباحثين السينمائيين؛ نظرًا لسهولة تناولها باستخدام مفاهيم العلم المعرفي؛ ومن ثَمَّ تساعد على إجراء دراسات فيلم منضبطة. 11
كثيراً ما يتم التمييز بين “القصة” و “الحبكة” في عملية تحليل السرد؛ 12 حيث تمثل “القصة” العلاقات المكانية، والزمانية، والسببية بين الأحداث السردية (ماذا يحدث في الزمان والمكان). وتشير “الحبكة” إلى المعلومات التي تُقدَّم للجمهور وطريقة تقديمها (أي الكيفية التي تحكى بها القصة). ففيلم “خيال رخيص” يتضمن العديد من الخيوط الدرامية الخطية؛ التي نَجِد، في كلِّ واحد منها، حدثًا يرتبط سببيٍّا بحدث آخَر. بَيْد أن حبكته، بالمقابل، غير خَطِّية؛ حيث نجد مَشاهِد من قصص مختلفة يتمُّ المزج بينها
وتقديمها دون التقيُّد بتسلسُلها الزمني. فقُرب منتصف الفيلم تقريبًا، يَلقَى فينسينت (جون ترافولتا) حتفَه على يَدِ بوتش ) بروس ويلز)، ومع ذلك يظهر فينسينت في مشهد تبادُل إطلاق النار الأخير في المطعم الذي يختتم أحداث الفيلم. ومن الممكن تغيير حبكة الفيلم لجعلها أكثر توافقًا مع التسلسل الزمني للأحداث مع الاحتفاظ بالقصص كما هي دون تغيير. فالقصة “متخيلة” 13 (سواء أكانت “ذهنية” أم “معرفية”) بمعنى أنها تنشأ داخل ذهن المشاهد كنتيجة للطريقة التي تُعالَج بها الحبكة. ومن هنا، يمكن القول إن الحبكة تخصُّ الفيلم، في حين أن القصة تخصُّ المشاهد. واستنادًا إلى العلم المعرفي، يعتقد برودويل أنه لكي يتمكَّن المشاهدون من رأب تلك الهُوَّة بين الحبكة والقصة، عليهم استخدام مجموعة متنوِّعة من “المخططات” (وهي بني ذهنية لتنظيم المعرفة)14.