الهبوط على سطح القمر
إنّ حلُم الإنسان منذُ القِدم هو الهبوط على سطح القمر؛ حيث أُصدرت العديد من الإنتاجات القصصية والروائية الخيالية والعلمية التي تُبيّن كيفية تحقيق هذا الحلم، وتشرح انطلاق الإنسان للفضاء والهبوط على سطح القمر، لكنّ المُدهش أنّ هذه الأحلام والتصورات أُحيلت لأن تكون حقيقةً في مُنتصف القرن العشرين؛ حيث انطلق الإنسانُ بالفعل للفضاء واستطاع الهبوط على سطح القمر وجَلْب شيءٍ من تربته إلى الأرض.
إنّ سلسلة التجارب والاختبارات الطويلة والمتعبة التي أجراها الباحثون والعلماء حول الصواريخ والمركبات الفضائية وإطلاق الأقمار الصناعية ساعد الإنسان على الهبوط على سطح القمر، وممّا أثرى خبرة العلماء والباحثين وجَعَلهم قادرين على حمل روّاد الفضاء نحو القمر وتأمين حياتهم وعودتهم للأرض سالمين إطلاقهم للأقمار الصناعية والمركبات الفضائية للكواكب الأخرى في خمسينيات القرن العشرين.
من الجدير ذكره أنّ أول مركبة فضائية كانت من صُنع الإنسان ووصلت لسطح القمر هي المركبة الفضائية لونا 2 التي تتبع للاتحاد السوفييتي بتاريخ 13 سبتمبر 1959م.
آرمسترونغ أوّل رائد فضاء هبط على سطح القمر
نيل آرمسترونغ (بالإنجليزية: Neil Armstrong)، وُلد في 5 آب 1930م، وهو أوّلُ إنسانٍ يمشي على سطح القمر. شغل آرمسترونغ منصب طيّار من عام 1949م وحتّى عام 1952م، انضمّ بعدها إلى اللجنة الوطنية الاستشاريّة للملاحة الجويّة (بالإنجليزية:National Advisory Committee for Aeronautics NACA)، وقد شغلَ أكثر من موقع بعد ذلك فقد كان مُهندساً، وطيّار اختبار، ورائد فضاء.
رحلاته إلى الفضاء
في عام 1966 قاد آرمسترونغ مركبة جيميني 8 في أول رحلة فضائية له، حيث كان أولّ إنسانٍ يُجري عمليّة التحام مركبتين فضائيتين في الفضاء، وقام بذلك بمساعدة ديفيد سكوت، كما أجرى الرحلة الثانية له في عام 1969م؛ حيث قاد طاقم رحلة أبولو 11 وهي الرحلة التي هبَطَ فيها على سطح القمر ممّا جعله أول إنسان يمشي على سطح القمر.
بدأت هذه الرّحلة التاريخية بتاريخ 16 تموز 1969م، حينما أُطلق الصاروخ (ساتورن-5) الذي يبلغُ طوله 86 متراً من قاعدة (كيب كينيدي) في ولاية فلوريدا الأمريكية؛ حيثُ حُملت المركبة الفضائية (أبولو 11) عليه، وعلى متنها 3 روّاد فضاء: نيل آرمسترونغ (بالإنجليزية: Neil Armstrong)، وإدوين ألدرين (بالإنجليزية: Edwin Aldrin)، ومايكل كولينز (بالإنجليزية: Micheal Collins)، وعند هبوط المركبة أبولو 11 على سطح القمر في 20 تموز كان فيها: نيل آرمسترونغ، وإدوين ألدرين؛ حيثُ بقيَ رائد الفضاء مايكل كولنز في المركبة الرئيسيّة ليكون وسيلة اتصالٍ بين روّاد الفضاء الذين هبطوا وبين القاعدة الرئيسيّة على الأرض.
عند الساعة 21:17 بتوقيت جرينتش من يوم 20 تموز هبطت المركبة التي تُقلّ كلّاً من آرمسترونغ وألدرين بسلام على سطح القمر، وفي تمام الساعة 3:40 بتوقيت جرينتش من يوم 21 تموز شاهدَ سُكان العالم الأرضي الحُلم البشريّ يتحقّق على شاشات التلفاز؛ حيث تقدّم آرمسترونغ وسار بخطواتٍ على سطح القمر، حيثُ قال بعدَها مقولةً خالدةً توجّه بها في بثٍّ حيٍّ ومباشر إلى جميع سكّان الأرض: “إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة جبارة للجنس البشري”.
من المُهمِّ ذِكرُه، أنّه عندما قال آرمسترونغ مقولته الخالدة، كان راديو صوت أمريكا يُبّث بشكل مباشرٍ عبر هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، والكثير من الإذاعات الأخرى حول العالم، ويُقدّر عدد من استمعوا لها في ذلك الوقت بحوالي 450 مليون شخص، وهذا عددٌ هائلٌ عند مقارنته ب مجموع سكان العالم في وقتها، حيثُ كان يُقدّر بحوالي3.631 مليار نسمة.
بعد 20 دقيقة من خطوة آرمسترونغ الأولى نزلَ ألدرين من المركبة وانضمّ لزميله ليُصبح ثاني إنسانٍ تحطُّ قدماه على سطح القمر، وبدأ الثنائيّ باكتشاف سطح القمر ومدى إمكانية تعايش الإنسان معه بعدَ أن نصبا العلم الأميركي عليه ليكون أوّل علمٍ لدولة يُنصب على سطح القمر.
ترك آرمسترونغ وألدرين وراءهما في موقع هبوط المركبة على سطح القمر لوحاً كُتب عليه: “للمرة الأولى، وصل بنو البشر من الكرة الأرضية إلى القمر في هذا المكان. في تموز 1969 للميلاد، جئنا من أجل السلام باسم كل الجنس البشري”، وبعد وقتٍ قصيرٍ من نصبهما العلم الأميركي، تكلّم معهما الرئيس الأميركي حينها ريتشارد نيكسون (بالإنجليزية: Richard Nixon) عبر اتصال هاتفيّ قال فيه: “كل أبناء البشرية فخورون بنجاحكما، أشكركما جزيل الشكر”، وحين أنهى الرئيس المكالمة قال إنّه يتمنّى ألّا يستلم فاتورةً تقضي بوجوب دفع مقابل جراءَ اتصاله الهاتفي للقمر.