الآراء المتحركة للجماهير 5من اصل5
فالملكي كان يؤمن بكل يقين أن الإنسان ليس سليل القرد، وأما الجمهوري فكان يؤمن بالعكس. والملكي كان يتحدث عن الثورة بنوع من التقزز والرعب، وأما الجمهوري فكان يتحدث عنها بنوع من التقديس والعبادة. فبعض الأسماء كاسم روبسييير ومارا ينبغي أن تلفظ بكل خشوع، وأخرى كاسم القيصر وأوغيست ونابليون لا يمكن أن تلفظ إلا وهي مرفقة بالشتائم واللعنات. وقد شاعت هذه الطريقة الساذجة في قراءة التاريخ حتى في السوربون.
وأما اليوم فإن كل رأي من هذه الآراء العامة أخذ يفقد هيبته أمام المناقشة والتحليل. فجوانبه تبلى بسرعة. والأفكار التي تلهب حماستنا نادرة. فالإنسان الحديث مصاب باللامبالاة أكثر فأكثر.
ولكن ينبغي ألا نأسف كثيرًا بسبب هذه التفتت العام للآراء. فأن يكون ذلك علامة على الانحطاط في حياة شعب ما، فهذا ما لا ينفيه أحد. فالعرافون والرسل والقادة المحركون وبكلمة أخرى كل المؤمنين المقتنعين يمتلكون قوة أخرى غير قوة النفي والسلب والنقد واللامبالاة. ولكن ينبغي ألا ننسى أنه مع القوة الهائلة للجماهير الآن فإنه إذا استطاع رأي واحد أن يمتلك الهيبة الكافية لكي يفرض نفسه فإنه سوف يحظى فورًا بقوة طغيانية هائلة إلى درجة أن كل شيء سوف يستسلم أمامها. وعندئذ سوف ينغلق عصر المناقشة الحرة لفترة طويلة. إن الجماهير تمثل أحيانًا أسيادًا مسالمين كما كان عليه في عصرهما كل من هيليوغابال وتيبير. ولكن للجماهير نزواتها العتيقة أيضًا. فالحضارة الجاهزة للسقوط غي أيديها تظل تحت رحمة صدف عديدة جدًا إلى حد أنه يشك بديمومة هذه الحضارة لفترة طويلة. وإذا كان هناك شيء ما يمكنه أن يؤخر من ساعة الانهيار فإن ذلك سيكون بالضبط الحركية الهائلة للآراء واللامبالاة المتزايدة للجماهير تجاه كل العقائد العامة.