الأساطير الفرعونية في «موشكا» للكاتب العُماني محمد الشحري
مسقط «القدس العربي»: من الروايات العربية التي تناولت تأثر الإنسان بمحيطه الإقليمي ومساهمته في التواصل الثقافي والحضاري في الثقافات المجاورة له، رواية «موشكا» للكاتب العُماني محمد الشحري، الصادرة حديثا عن دار سؤال اللبنانية، التي تتحدث عن اللبُان الظفاري ذائع الصيت والقداسة، حيث يُحرق في معابد الآلهة في الديانات القديمة، وقد وصل اللبان إلى مصر عن طريق مملكة كنعان، «كان سعاة المال والتقرب من ذوي الحظوة والسلطان قد أوصلوا اللبان إلى بلاط الملكة حتشبسوت، التي سحرتها رائحة موشكا التي قدمت الحب على أي شيء آخر في الحياة» ص146، وحاولت الملكة حتشبسوت التقرب من الإله آمون ليعينها على تثبيت حكمها الذي يتنازعه معها رجال الأسرة الفرعونية الثامن عشرة، الذين لم يعجبهم الخضوع لحكم المرأة، وحينما شمت حتشبسوت اللبان الظفاري تسألت عن سر رائحته فقالت لها مساعدتها روري كبيرة السحرة:
إنها دموع الندم لامرأة أحبت وخُذلت. ردت روري التي كانت في خلوتها مع الملكة التي رفّ لها طرف، أوحى لذاتها بكشف الساحرة لحال الهيام المنسوج بين الملكة وعاملها سنموت.
أي امرأة هذه التي تبكي رائحة تحملك إلى العالم المتواري عن الأنظار والإدراك يا روري.
سيدتي يا صاحبة العرش والتاج والصولجان، نحن النساء حينما نعشق، نعشق لوجه الغرام في سبيل الآخر الذي لا يشعر أو لا يقدر ما نفعله لأجله، فيعتقد أننا ساذجات، لكننا في الحقيقة لا نفعل إلا ما يمليه الفؤاد والعشق والهيام.
وقفت حتشبسوت وقالت:
«الآن عرفت المادة العطرية التي استعملتها إيزيس لخداع جواري الملك الذي سقط عنده الصندوق الذي وُضِع فيه اوزيريس، بعد تعرضه للخديعة التي دبرها له لطيفو، بالتعاون مع الملكة الإثيوبية آسو، حيث أخذا قياس أوزيريس سرا، وصنعا له صندوقا على قياسه تماما وقد رُصع بالمعادن الثمينة، ثم تعهد طيفو مازحا لكل من أعجب به من الحضور أن يهبه لمن يسع له، فقام الحضور المتفقين أصلا مع لطيفو بدخول الصندوق الواحد تلو الآخر ولم يتسع لأي منهم فجرب أوزيريس حظه وتمدد فيه، فأطبق عليه المتآمرون الغطاء، وأحكموا إغلاقه بالمسامير، وصبوا عليه الرصاص المذاب، وأرسلوه في بحر النيل.
حين علمت إيزيس زوجة أوزيريس بالخبر قصت إحدى جدائل شعرها ولبست الحداد، وبحثت عن الصندوق وسألت كل من تجده في الطريق، فأخبرها أطفال كانوا يلعبون قرب النهر أنهم رأوا الصندوق يطفو باتجاه المصب النيلي، وعلمت إيزيس أن الصندوق رسا لطيفا عند أغصان شجيرة (التاماريسك)، التي ما لبثت حتى أصبحت شجرة كبيرة وجميلة غطّت الصندوق وأحاطت به من كل جانب فلا يراه أحد، وقد أعجبت الشجرة أحد الملوك المارين بها، فأمر بقطعها وجعل من جذعها حيث كان الصندوق مختفيا، عمودا يدعم به سقف منزله، وقد علمت إيزيس بكل هذه التفاصيل نتيجة صداقتها مع الجن الذين تصادقوا وتضامنوا معها، فسارعت إلى هناك وقابلت جواري الملك فلاطفتهن وظفرت لهن شعورهن ونقلت لهن رائحة هذا العطر العجيب، الذي أشمه أنا الآن» ( 148- 149).
لم تكتفِ حتشبسوت باستمالة الإله آمون ليقف بجانبها، بل تقربت من الإله حابي إله النيل، حيث رمت في مياهه حبات اللبان المجلوبة من أرض ظفار وهي تقول:
«الجلال لك، أيا حابي! لقد قدمت هذه البلاد، وجئت في سلام لكي تهب مصر الحياة، يا أيها الخفيّ ، أنت هادينا في الظلام إن شئت أن تهدينا فيه، تسقي الحقول التي خلقها رع، وتحيي جميع الحيوانات، وتسقي الأرض ولا تنقطع، تتنزل من السماء وأنت الذي تهبنا الحب» (ص 149).
كما أرجعت الرواية سبب معركة مجدو بين الجيش المصري والإمارات الفرعونية إلى التنافس على الحصول على اللبان الذي اكتشف المهندس سنموت قدرته على تحنيط الأجساد الميتة، وهو ما حفز الملكة حتشبسوت على إرسال حملة للحصول على المادة من أرض الإنتاج من ميناء (سأكلن) الواقع في جنوب الجزيرة العربية، وهي الحملة التي دونت بالرسم على جدران الدير البحري.
الجدير بالذكر أن «موشكا» تعتبر العمل الأدبي الثالث للكاتب الشاب محمد الشحري، الذي أصدر قبلها كتابا في أدب الرحلة بعنوان «الطرف المرتحل» صدر عن دار الفرقد في دمشق 2013، ومجموعة قصصية بعنوان «بذور البوار» صدرت عن دار الفرقد في دمشق عام 2010.