الأوهام 1من اصل2
لقد تعرضت الشعوب دائمًا لتأثير الأوهام، وذلك منذ فجر البشرية. فهي قد أقامت أكثر المعابد والتماثيل والهياكل لخلاقي الأوهام ومبدعيها. وكانت في الماضي القديم أوهامًا دينية، ثم أصبحت فلسفية واجتماعية في وقتنا الحاضر. ونحن نجد هؤلاء “الملوك- الأوهام” يتربعون على عرش كل الحضارات التي ازدهرت وتعاقبت على سطح كوكبنا الأرضي. فباسم هذه الأوهام أقيمت معابد الكلدانيين ومعابد مصر، وكل النصب التذكارية الدينية في القرون الوسطى. وباسمها تم قلب أوروبا كلها قبل قرن من الزمان (المقصود أوهام الثورة الفرنسية). وليس لدينا أي تصور فني أو سياسي أو اجتماعي إلا وهو مطبوع بطابعها القوي. صحيح أن الإنسان قد يقلبها أحيانًا بعد أن يدفع الثمن على هيئة اختلاجات وتشنجات مرعبة، ولكن يبدو أنه مجبر على إعادتها دائمًا من جديد. فلولاها لما كان قادرًا على الخروج من الهمجية البدائية، ولولاها لسقط في هذه الهمجية من جديد. ولا ريب في أنها تمثل ظلالًا عبثية، ولكن بنات أحلامنا هذه قد حثت الشعوب على خلق كل ما يصنع بهاء الفنون وعظمة الحضارات. كتب أحد المؤلفين ملخصًا عقيدتنا بهذا الخصوص قائلًا:
“فلو أننا دمرنا كل الأعمال الفنية والنصب التذكارية المستلهمة من قبل الدين والموجودة في المتاحف والمكتبات وجعلناها تتساقط على بلاط الرصيف، فما الذي سيتبقى بعدئذ من الأحلام البشرية الكبرى؟ إن سبب وجود الآلهة والأبطال والشعراء أو مبرر هذا الوجود هو خلع بعض الأمل والوهم على حياة البشر الذين لا يمكنهم أن يعيشوا بدونهما. وقد بدا لبعض الوقت أن العلم يضطلع بهذه المهمة. ولكن الشيء الذي حط من مكانته في نظر القلوب الجائعة للمثال الأعلى، هو أنه لم يعد يجرؤ على توزيع الوعود هنا وهناك، كما أنه لا يعرف أن يكذب بما فيه الكفاية”.
لقد كرس فلاسفة القرن الماضي جهودهم بكل حماسة لتدمير الأوهام الدينية والسياسية والاجتماعية التي عاش عليها آباؤنا طيلة قرون عديدة. وهم بتدميرهم لها جعلوا منابع الأمل والخضوع تجف وتنضب. ووراء الأوهام المضحى بها كالقرابين وجدوا قوى الطبيعة العمياء التي لا ترحم بالنسبة للضعفاء ولا تعرف الشفقة.