الانطباعية الواقعية في أعمال اللبنانية مريم زعيتر

الانطباعية الواقعية في أعمال اللبنانية مريم زعيتر

الانطباعية الواقعية في أعمال اللبنانية مريم زعيتر

تشكل التقنيات المختلفة والتوظيفات الانسيابية للفنانة التشكيلية مريم زعيتر، أحد أهم الدعامات الأساسية في عملية بناء أعمالها التشكيلية، حيث تتخذ من الشخوصات أدوات لتحريك الفضاء، وتنسج تفاعليات فنية بين كل مكونات اللوحة، بدءا من الكتل اللونية التي تنبض بتدرجاتها المتوالفة ووصولا إلى المادة التعبيرية التي تشكلها هياكل العمل في شموليته. وتتبدى الانطباعية الواقعية بارزة من خلال الألوان والأشكال المتناغمة والمتفاعلة مع الشخوصات والصور المختلفة، وذلك لإبراز أهم مناحي الجمال وتأكيده داخل الفضاء.
وعملا بالقاعدة النقدية؛ فإنه على الرغم من تعددية المناحي الأسلوبية التي تحكمها المشاهد الواقعية، فإن المبدعة مريم زعيتر تتقيد بالانطباعية والأشكال الكلاسيكية، ما يرغمها على تدجيج الفضاء بالكثافة اللونية، فتسد جميع منافذه لتستند حتما إلى الواقعية التعبيرية الغامضة، إنه تموقع فني يجر إلى تناقضات تشكيلية على مستوى الضوء والشكل، ويؤثر على عملية الترميز إلى المظاهر والمقصديات التعبيرية، بل يحد من تصوير العمليات المتجددة وفق الأسلوب الواقعي الذي تبنته المبدعة. فتقسم الإبداع الجمالي جراء ذلك إلى فصائل جمالية لتنال من التوازن الإبداعي وتؤثر على الإيقاع. لكن على الرغم من ذلك فالفنانة مريم زعيتر تؤثث لجملة من العلاقات بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، لإنتاج بلاغة واقعية في نسق حسي يكشف قدرة الفنانة الإبداعية وتفاعلها مع الفن الواقعي بانطباعية، وبتصورات تحولها تشكيليا إلى قيم جمالية تنم عن استلهامات معرفية وثقافية وفنية.
إن أعمالها تحمل خصائص تصورية نوعية، تسعف المواضيع التي تشتغل عليها وترصد العلاقة بين مكونات العمل الفني والواقع بما تتيحه من تداخل غالبا ما يكتسي صبغة دلالية تؤطرها الأشكال والشخوصات المتنوعة. وتسخر لها كثافة لونية تدعم بها المضامين. ويتبدى أن تسخير الفضاء للتدجيج اللوني والضربات اللونية يمكّن من تفعيل قوة المضامين وتقوية جدليتها مع مختلف العناصر والمكونات الفنية الأخرى. إنها بكل ذلك تثبت تشكيليا ما تحمله من تقنيات خاصة للتعبير عن تصوراتها وأفكارها، تبعا لنسق الحياة التي تعيش فيها، والمحيط الذي يؤثر في إبداعاتها، وأيضا للجوانب التي تعكس أفكارها ورؤى المجتمع الذي تتشبع بثقافته، الشيء الذي يخول لها أن تصنع ابتكارات من حسن اختيارها، سعيا لإرساء تخصص انطباعي واقعي مبني على ضوابط تصورية، لكنه مسار صعب في التشكيل، لأنه محكوم بالاستمرار وتجديد التقنيات وتجديد الرؤى الفنية والجمالية، بل تجديد أشكال التجسيد الانطباعي بواقعية توظف فيها المفردات الجمالية والثقافة الواقعية، باعتبارها أحد المكونات الحيوية في الثقافة التشكيلية. كما أن تشكيل بعض العلامات الأيقونية يسهم في التدليل على مناح تعبيرية، وعلى بعض التفاعليات بين المادة التشكيلية والمواضيع التي تشتغل عليها المبدعة. لكن السمة المهيمنة على الأسلوب الانطباعي الواقعي تظل مقيدة بما يحمله هذا التوجه الذي يبدي عملها أقرب إلى التأمل منه إلى الواقع، إنه وضع – وإن كان متجاوزا في الظرف الراهن- إلا أنه يحتفظ بميزة فسح المجال للتعدد القرائي، على عدة مستويات، ما يمكّن من رصد مختلف المرامي الجمالية. إنه توظيف يقارب العمل الفني بالغرض الذي تريد الوصول إليه عبر مسلك ينسجم مع تصوراتها وأفكارها، ويتلاءم مع الخصائص التشكيلية الواقعية، وهو ما يوضح استيعابها للمادة الشخوصية والطبيعية في علاقتها بجوهر التشكيل، وبذلك تستطيع أن تستلهم من عناصر الواقع كل الأساسيات التي تبني عليها عمليات التوظيف الفني المتيح لإنتاج الدلالات.
فمن جماليات ذلك التوظيف – حسب أعمالها – قدرتها القوية على استعمالها النسبي للحركات والسكنات في آن، وتوظيفها للكتل والكثافة والتركيب لكل العناصر والمفردات الفنية. ومن هذا المنطلق تستطيع الفنانة مريم زعيتر أن تثبت ما تحمله تقنياتها من إبداع، تبدي من خلاله أفكارها وتجسد فيه تعبيراتها، التي تترصد الأساليب الجمالية، التي تمكّن من الفهم الإيجابي وتوحي بمغاز معينة.
إنها ثقافة تشبعت بها الفنانة المبدعة، وفق اختيار يتطلب التحكم بقوة في التدبير على المستويات التصورية والثقافية، والبنائية والواقعية والتعبيرية واللونية والعلاماتية والرمزية والدلالاتية والتقنية بنوع من التخصص والقدرة على التوظيف الجمالي والفني.
٭ تشكيلي مغربي
الانطباعية الواقعية في أعمال اللبنانية مريم زعيتر
محمد البندوري

m2pack.biz