البعد الجمالي مسلك واقعي في أعمال الجزائري لخضر خلفاوي
الجزائر «القدس العربي» من محمد البندوري: تتسم عملية البناء في تشكيلات الفنان الجزائري لخضر خلفاوي بحركات واقعية تخترق الضربات اللونية المتنوعة، التي يضعها لتأدية مرام ذات أبعاد جمالية، فتحرك سكونية الفضاء الذي ينبني على أسس طبيعية واجتماعية وشخوصية، وهو أداء ينم عن تجربته الخصبة من جهة، وأيضا عن كل ما ينتجه من مفردات تشكيلية وعناصر فنية تقترن بنفسيته لينثر فصاحة الألوان ويربطها أحيانا بالهدوء الطبيعي وبالحركة التي يصنعها التوتر أحيانا أخرى.
فالعملية الإبداعية لديه تنبني على ملمس واقعي خصب ومتنوع المشارب، وإن كان يستقي مادته من سميولوجيته المحلية، لكنه يفاجئها بنبضات تحولية وتصورات غزيرة ومتنوعة وبأبعاد جمالية، وهو ما يفسره وجود صناعات الكتل اللونية في أعمال واقعية وتنوع أشكالها، ليضحى جوهر القيم والمثل والطبيعة والاجتماع لديه مادة دائمة التنوع، وهو ما يحيل إلى أن مخيلته تروم لمسات فنية يكتنفها البحث عن مختلف المفردات الجمالية التي تغذي واقعه الفني.
وهو يعمد إلى بعث التوليف بين مختلف العناصر المكونة لأعماله، من ألوان باردة أحيانا وساخنة أحيانا أخرى، وخطوط ودوائر وأنصاف الدوائر ورموز ووشوم، فضلا عن اختراق الضوء لكل تلك المجالات بطرق متفاوتة فيحقق التوازن الإبداعي في ما بينها. وهي تشكل منفردة في جوهر تشكيله مواد أيقونية للتعبير عن خلجاته وهواجسه وشعوره بإلهام وخيال فنيين عميقي الدلالة، وبعلامات لونية يستجلي من خلالها الإجابة عن تساؤلات الواقع.. وعملا بالقاعدة النقدية، فإن مختلف الأشكال الضوئية النابعة من الأعلى أو المنحرفة، تتوقف عند منتصف الأشكال التعبيرية مما يحد من عامل المقاربة الواقعية في جوهر العمل الفني، وبالمادة الأساس التي بُني عليها الفضاء، وبذلك فإن صناعة الضوء تضع المادة التشكيلية لديه أحيانا في مفارقة بين سكنات البناء وتحولات المادة التشكيلية، خصوصا أن المبدع يصنع هذه المادة بتنويع لوني، يتشابك مع بعضه، في إطار تناسقي جميل وبديع، فيكون تأثير الفارقية بائنا.
ولذلك، فبقدر ما تكون الأعمال مليئة بالإيحاءات والتصورات والتخييلات التي تدل قطعا على معاني ودلالات حملها التراث الجزائري والمغاربي عامة، وعلى معارف خاصة، بقدر ما تحد من قوة التأثير وتحد من إمكانات الصيغ التعبيرية، فتشوش على عوامل التنوع.
لكن على الرغم من ذلك فالإمكانات التعبيرية للفنان لخضر خلفاوي تمنح القارئ مجالا مهما لربط القوة التفاعلية مع مكنونات أعماله، حيث تتمظهر المرامي المختلفة في الاستعمالات اللونية التي تتغيا تسريب الكتل اللونية البيضاء والاستعمالات الشكلية والتقاطعات الرمزية والعلاماتية، إنها متتاليات تلعب فيها تقنيات المبدع أدوارا جوهرية من حيث عمليات التوظيف والمعالجة.
فالمجال التقني يساعد بشكل كبير في عملية إنجاز مادة تشكيلية خصبة تلامس الوجود الحسي والبصري في نطاقه الواقعي بنوع من المهارة والقدرات العالية، وهو ما يتوافر عليه الفنان لخضر خلفاوي، ويسمح له بتجسيد تصوراته أثناء عملية التنفيذ، مما يجعل منجزه الفني فعالا وواضحا في دائرة التشكيل الجمالي.
ومن جهة أخرى، فإن تفاعل الفنان لخضر خلفاوي مع حيثيات الواقع إنما هو تفاعل مع معكوساته الإيحائية، حيث تتبدى مختلف العلامات والوشوم والشخوصات في تقابل مع اللون، في ثنائية تبدأ من عملية البناء وتنتهي بالمعالجة الفنية، وهي ثنائية إبداعية تسبح في التراث وفي الواقع الحاضر ثم في المُثل ذات القيم النوعية بانفتاح راق يفصح عن جماليات تركيب المفردات التشكيلية والعناصر التراثية والأنساق اللونية المدججة بالجماليات.
فضلا عن التناسق في الأشكال ومختلف الشخوصات.
إن أصالة الفنان لخضر خلفاوي تجعله يرتبط بعشقه الفني في لب التراث الحضاري الجزائري والمغاربي، ما يطرح أعماله في سياقات جمالية متنوعة، إنها صناعة تمتيع القارئ بالعديد من التعابير الواقعية ذات الأبعاد الجمالية. إنه إنجاز موفق وأسلوب تشكيلي ينم عن تجربة عالمة وخبرة قائمة، من حيث عمليات التوظيف الواقعي والرمزي والعلاماتي، وأيضا من حيث تدبير المجال الجمالي فيما يخص تناسق الألوان وشكلية مزج مختلف العوالم والمفردات، التي تدعم الفضاء في نطاق التجاور والتماسك، الذي يصنع التوازن بين كل العناصر المكونة لمنجزه التشكيلي حتى ينطق بقيم فلسفية وثقافية تستأثر بالمعنى، عبر منجز شكلي بوجدانية وواقعية إيحائية، تروم تحقيق استثارات بصرية، بأشكال تتبدى فيها المناحي الإنسانية في أبعادها الجمالية، وتظهر فيها التصورات المختلفة، فكل لمسة في مسلك المبدع لخضر خلفاوي تتبدى فيها مجموعة من العوالم التي تدعم القوة التعبيرية لديه. ليعطي انطباعا بأنه يعمل وفق تصورات ورؤى مركزية، يوزعها وفق أسلوبه الإبداعي الرائق.
البعد الجمالي مسلك واقعي في أعمال الجزائري لخضر خلفاوي