التاريخ الثقافى للواحات ( الجزء الثانى )

التاريخ الثقافى للواحات ( الجزء الثانى )[/caption] ماذا قبل؟ ولمحاولة البحث عن اجابة لهذا التساؤل، فأنه يجب علينا العودة الى عصر الجفاف ، وكما ذكرنا عن حال الصحراء الغربية مع الانتهاء التدريجى للعصر المطير والحلول – البطيىء ايضا- لعصر الجفاف ، كما يقول الدكتور جمال حمدان ( كانت مرصعة ببحيرات عديدة ، بعضها من مقياس عظيم يقارن ببحيرة فيكتوريا او تشاد حاليا ، ومن اهم هذه البحيرات التى امكن تحديدها بحيرة ( بير طرفاوى ) الواقعة جنوب الواحات الداخلة وحتى هضبة العوينات فى الجلف الكبير اقصى الخط الجنوبى الغربى للحدود المصرية ، وهى البحيرة التى يقدر ان مساحتها بلغت 50 الف كم2 ، اما زمنيا فالمقدر ان هذه البحيرة ظهرت منذ 40 الف سنة ، وعاشت 15 الف سنة، ثم جفت مرتين ، الاولى منذ 35 الف سنة ، واستمر ذلك الجفاف لمدة 12 الف سنة ، ثم عادت الى الوجود بعد انتهاء عصر الجفاف ، وظلت موجودة حتة عشرة آلاف سنة مضت ) حوالى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد ، اى قبل العصور الفرعونية بقليل … وحول هذه المرحلة( مرحلة التحول ) يذكر جيمس هنرى بريستد فى كتابه فجر الضمير ” اما ثانى مراحل العصر المطير الذى كان يسير جنبا الى جنب مع تقدم حياة الانسان ونعنى به عصر نضوب الماء ، ذلك النضوب الذى كان ينتشر تدريجيا ، فالصحارى المعروفة لنا تمام المعرفة فى هذه الاقطار لم تكن قد ظهرت بعد، اذ كان كل شمال افريقية اقليما ذا امطار غزيرة ونباتات وفيرة مكونا ميدان صيد نموذجى ، وقدعثرت على ثلاثة قوارب نيلية لصيادى الهضبة محفورة على الصخور من ناحية اخرى فقد كشف الدكتور سند فورد مدير مساحة المعهد الشرقى عن اسلحة الظران التى كان يستعملها هؤلاء الصيادون مبعثرة فى اقاصى الصحراء الغربية حول قطاع الواحات الداخلة وعلى مسافة الف ميل او اكثر من غرب النيل ، ولا تزال هذه الالات والاسلحة الحجرية الملقاة حيث فقدها اصحابها من آلاف السنين شاهدا صامتا على المجال الفسيح الذى كان يرتع فيه الصيادون – والاماكن التى توجد فيها تلك الأدلة الصامتة عن حياة الانسان الغابر ، هى الآن مناطق منعزلة قاحلة (يقصد منطقة الواحات) من المنطقى القول بان القادة والامراء فى العصور التاريخية القديمة لم يصلوا الى مناطق خالية من البشر بصفة عامة ، و من اولئك الذين يجيدون حرف البناء والتشييد والنقوش والزخارف بصفة خاصة ، وبالتالى فان التواجد البشرى والحضارى والثقافى فى مناطق الواحات المختلفة هو – بالضرورة – سابق بزمن بعيد ( نسبيا ) على قدوم هؤلاء الفراعين ، بل يمكن الافتراض ان الباقين من البشر فى هذه المناطق منذ بدء عصر الجفاف وحتى قدوم الفراعنة هم الذين شكلوا القاعدة البشرية الأم فى التكوين والأصول السكانية للواحات المصرية . وعلى ذلك – وفيه ايضا – تكمن الاجابة على السؤال الذى يروق للبعض طرحه ، وهو : من اين قدم هؤلاء البشر الذين يعيشون فى هذه المناطق الصحراوية النائية ( الواحات ) ؟؟ فالبعض يتكهن بان قاطنى الواحات ماهم الا بعض المهاجرين من منطقة المغرب العربى ، بينما يقول آخرون بانهم قادمون مع الفتح العربى الاسلامى لمصر ورأى ثالث يتجه الى قدوم السكان من الجنوب عن طريق درب الاربعين ويدلى الدكتور جمال حمدان بدلوه فى هذا الامر ويقول عن الجانب الانثروبولوجى لسكان الصحراء الغربية ، فيقول : تنقسم الصحراء الغربية الى منطقتين : الوحات فى الجنوب والساحل فى الشمال ، والفارق الأنثروبولوجى بينهما طريف ، فالأولى خلت تقليديا من اى تأثير متوسطى آسيوى المصدر ، اى سامى من عرب الجزيرة او المشرق ، بمعنى ان اثر العنصر العربى فى مصر لم يصل تقريبا الى واحات مصر الغربية ، هذا فى حين ان المنطقة الثانية عربية المصدر تماما ، ومن الناحية الاخرى فلا عبرة بالتساؤل القديم عما اذاكان سكان الواحات اصلا مصريين او ليبيين ايام الفراعنة ، اذ من الثابت انهم كانوا مصريين تماما ولكن الدكتور حمدان يعود ويقول : ويمكن القول بعد هذا على الفوربأن الواحات ، التى تتباعد منتشرة على مساحة شاسعة ، هى اثنولوجيا شركة بأسهم وبنسب متفاوتة بين ثلاثة مؤثرات اساسية : مصرية من الشرق ، بربرية من الغرب ، وزنجية من الجنوب ، ،،، وبحسب موقع كل واحة يتحدد توازن الشد والجذب بين هذه القوى الثلاث ، فاقربها الى النيل اكثرها مصرية ، وابعدها عنه اكثرها بربرية ، واكثرها جنوبية اكثرها زنجية والدكتور حمدان بذلك يقصد الواحات الخارجة فى الاولى ، وواحة سيوة فى الثانية ، وواحة باريس فى الثالثة ،،، ونحن نرى ان هذا التصنيف ليس بالدقة الواجبة ولكنه يتخذ صفة العمومية النظرية ، وهو ما سوف نتعرض له تفصيلا عند الحديث عن الأصول السكانية لمجتمعات الواحات عموما ، والواحات الداخلة – التى هى موضوعنا – بصفة خاصة ميلاد الزراعة المصرية فى الواحات تعرض موضوع نشأة الحضارة الزراعية فى التاريخ الى عدة رؤى ودراسات مختلفة ومتباينة ، الا ان احدث الدراسات التى تمت فى مصر بعد الكشوف الأثرية خلال السبعينات من القرن الماضى ، والتى ترجع الى العصر الحجرى القديم ولكنها تتجاوز كل حضاراته السابقة فى القدم ، واهم هذه الكشوفات ثلاثة : سيوة ، النوبة ، جنوب الصحراء الغربية ، ويهمنا الكشفين الاول والثالث : ففى سيوة عثر على بقاياحضارة زراعية تم تحديدها بمادة الكربون المشع بنحو اثنى عشرة الف سنة ق م ، اى على الاقل ضعف عمر اقدم الحضارات التى سبق العثور عليها فى وادى النيل الحالى ، وبهذا ، وبعد ان كان اتجا ه الرأى يذهب الى ان الزراعة بعد ان بدأت فى مصر منذ اثنى عشرة الف سنة ق م ، ماتت على ضفاف النيل نتيجة الفيضانات المدمرة ، اثبتت هذه الأبحاث الحديثة استمرار وبقاء الحضارة الزراعية المصرية كاملة فى الواحات حتى ستة آلاف سنة قبل الميلاد على الأقل ، وعلى ذلك يمكن القول بانه اذا كان وادى النيل هو المشتل الاول للزراعة المصرية ، فقد لعبت الوحات دور الخزانة الحافظة لها ، هكذا يقول جيمس هنرى بريستد ، مؤرخ الحضارة المصرية ودورها فى تاريخ ميلاد الحضارة الانسانية. من كل هذه المعطيات ، هل لنا ان نتصور شكلا – منطقيا – لصورة الحياة فى الصحراء الغربية خلال تلك العصور ؟ – او فلنقل – المرحلة التى طمسها التاريخ حول دور الواحات وتاريخها سواء فى التكوين الذاتى من جهة ، او فى بناء الحضارة المصرية بصفة خاصة من جهة اخرى ؟ اما فى جنوب الصحراء الغربية وفى الجانب الغربى – منطقة بير طرفاوى – وجدت ادلة على استئناس الحيوان منذ اكثر من ثمانية آلاف سنة وعلى هذه الأسس الجديدة لا يستبعد ان يكون الانسان المصرى هو اول من عرف الزراعة واستأنس الحيوان فى الواحات الغربية ولعل المتتبع لتاريخ الواحات الموثق منذ بداية العصر الحجرى وعصور الأسرات والعصر الرومانى ثم القبطى فالأسلامى، يستطيع ان يلمح مجموعة من العوامل الدافعة لمقومات حياة ثقافية ذات طبيعة خاصة ومتميزة – على الأقل – عما عداها من حيوات الصعيد ودلتا النيل من ناحية ، وحياة بدو الصحارى المصرية والعربية المجاورة – جغرافيا – للواحات من ناحية اخرى .]]>

m2pack.biz