التجريد الطبيعي في أعمال التشكيلي المغربي عبد العالي بنشقرون

التجريد الطبيعي في أعمال التشكيلي المغربي عبد العالي بنشقرون

التجريد الطبيعي في أعمال التشكيلي المغربي عبد العالي بنشقرون

تتبدى أعمال الفنان التشكيلي عبد العالي بنشقرون مليئة بالجرأة التجريدية، بما تحتويه من أساليب تحاورية، وأدوات تحولية، وبعض الأشكال التعبيرية، والتداخلات العلاماتية، والاستعمالات اللونية المنسجمة مع كل مكونات العناصر الطبيعية التي تشكل معظم أعماله، الشيء الذي يدعم المجال التعبيري المعاصر، والمسار الإبداعي الناجع، فضلا عن الرؤى الفكرية التي يوظفها المبدع بشكل انطباعي وبخلفيات وتصورات فلسفية عميقة الدلالات.
وتكمن سحرية الفن التجريدي المعاصر لدى الفنان التشكيلي عبد العالي بنشقرون في نهله من خزان من الأشكال الطبيعية والألوان المتنوعة، التي تشكل في عمقها عناصر تفضي إلى تحويل الواقع الطبيعي وعناصره إلى وحي جمالي وإحساس مغاير غير مألوف لدى القراء والنقاد، برؤية فنية متفردة، منبثقة من الطبيعة الحية تروم التجريد في عمقه الفني والدلالي، ومنزاحة عن الفهم المتجاوز إلى فهم معاصر يأخذ بعين الاعتبار التحولات الفنية والجمالية والرؤى الفكرية ذات الدلالات العميقة، وفق طقوس ومفردات تشكيلية طبيعية لا تنحصر، لأنها تستمد وجودها من خزان طبيعي مليء بالأشكال الطبيعية من جهة، ومن خزان ثقافي ومعرفي متعدد المناحي والتوجهات من جهة أخرى.
ويعد هذا في واقعه التشكيلي إرساء لمقومات العمل الفني المرتبط بالأسس المعرفية والثقافة التشكيلية المعاصرة. وإن لجوء الفنان عبد العالي بنشقرون للمنحى الفكري والمعرفي والفلسفي والثقافي هو في الأصل لجوء إلى عالم فني جديد بمكتسبات حضارية صرفة. فأعماله تنطق بأشكال وعوالم جديدة، ذات منحى فني تفاعلي يدحض البناءات الفراغية، ويصنع مجالا تجريديا طبيعيا تراكميا، مختلف الألوان ومتنوع العلامات وكثير الإشارات والتلميحات إلى الطبيعة، بتدقيق ونظام واختيارات موفقة، وهي ميزات تشع بوادرها في إبداعات الفنان عبد العالي بنشقرون وفق جماليات متنوعة، سواء على مستوى التقنيات المستعملة أو على مستوى المادة اللونية أو على مستوى الأشكال بكل عناصرها الإبداعية أو على مستوى التعبير الفني الطبيعي التجريدي، خصوصا أن التعبير هو حتمية مصيرية في الثقافة الفنية، أو على مستوى التصورات والرؤى التي تنطق بالجديد. ففي هذا الدور يكمن سر المعاصرة وحداثة الأسلوب. وهو ما يجعل القارئ يجول بعمق في أعماله الفنية لاكتشاف عوالم جديدة تساعد على فهم عالمه الإبداعي.
وتعد معظم الأشكال المتنوعة والتعدد العلاماتي والرمزي الذي يعج به الفضاء في نسيجه التشكيلي دلالة على تنوع ثقافة المبدع وموسوعيته، وهو ما يتيح له أن يحدث بعض الأشكال المتنوعة داخل فضاءات أعماله تمنحه قدرة على بسط مختلف التعابير التي تقود إلى تفاعليات وقراءات متنوعة، فهو يبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، ويؤثث لقاموس دلالي طبيعي تجريدي يحول عين القارئ إلى عمق الصورة الطبيعية التعبيرية بصيغ جمالية خاصة، يبني من خلالها جسر التواصل والتفاعل بين مادته التشكيلية والقراء والنقاد، بما يوظفه من أدوات أيقونية تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري التجريدي في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تطاوع الحس الانفعالي، بكل ما ينتجه المبدع من تصورات وما يجسده من ألوان وأشكال وتوظيف محكم، وهو ما تفسره تعددية الأشكال المتناسقة وفق كل العمليات التشكيلية التعبيرية التي تضرب في عرض التجريد المعاصر، تتخللها التقنيات العالية التي تؤكدها أساسا الاستعمالات اللونية والخامات. وهي كلها مقومات تدل بشكل أو بآخر على القدرات العالية والمؤهلات الفنية الكبيرة التي يتمتع بها الفنان الكبير عبد العالي بنشقرون.
لقد استطاع بكل تلك المقومات أن يثبت فنيا ما حملته تجربته الرائدة من تقنيات جديدة للتدليل على تصوراته التشكيلية ورؤاه الفنية، من خلال التعبير بالمفردات الطبيعية والألوان والأشكال المتنوعة، وبمفردات لغته التجريدية الخصبة ليؤثث أسلوبا رائدا في مجاله الفني الرائع. وهو يقارب ماهية العمل الفني التجريدي الممزوج بالعلامات وبعض الرموز والأشكال المختلفة بالمادة الفنية، الشيء الذي يمنح أعماله جماليات متفردة، ويفصح عن درجة التعبير بالتجريد وفق عناصر فنية مستمدة من الطبيعة لونا وشكلا، بل إن الرؤية البصرية تظهر أن البناء التشكيلي مدجج باللون الذي يتبدى حاضرا في المرتبة الأولى موازيا للشكل المستمد من الواقع، باكتساح قوي للمساحة، وهو ما ينم عن عملية الأخذ من مجال تشكيلي صرف، بإضافة تصورات واجتهادات محمودة تجعل أعماله الفنية تبدو مثقلة بالإيحاءات والرمزية. إن هذا التوافر يجعل من أعماله محطة تحول للواقع بطبائع تعبيرية تجريدية، وبسياقات مختلفة. وهو لأجل ذلك يروم بعض التقنيات الحديثة لبسط الجماليات التشكيلية اعتمادا على الكثافة واللون، والكتل والتركيبات، والتكوينات الطبيعية، والمتكررات والمتشابهات على نهج الترجيع الموسيقي. مما يبقي المواضيع التي يشتغل عليها مرتبطة أساسا بالشكل، ليقوي الصفات الظاهرية لعالم الشكل داخل الفضاء، مع خصوصيات متفردة وجماليات يؤطرها بمؤهلاته الإبداعية، ويؤكدها بقدرته على التطور في إطار التوظيف المحكم والتعبير المعقلن الذي يستند إلى توليد الدلالات والمعاني من مجمل أعماله التشكيلية من دون تقييد.
ناقد تشكيلي مغربي

m2pack.biz