التخطيط القومي الشامل 4 من 4

عملية أشد صعوبة بمراحل عما كانت عليه منذ نصف قرن… فعدد المتغيرات يتضاعف وعلاقاتها التبادلية تتشابك
وتتعقد، بما يقتضي الاعتماد على عقل جمعي لتعامل الدول مع مستقبلها، فالعقول الفردية تعجز حينئذ عن التعامل
بأدنى حد من الكفاءة، ليس مع الواقع الذي صرنا نعيشه فحسب، بل أيضًا مع مستقبل لابد من تخيله واستشراف ما
سوف يحمله في جعبته من مستجدات للتمكن من التخطيط له بكفاءة…
كان لابد من إيراد تلك المقدمة الطويلة بما شابها من جفاف تمهيدًا لسلسة أتمناها من المقالات عن
“التخطيط”… وهي مقالات لا يمكن حصرها في مجال التخطيط الطبيعي (العمراني) فحسب، فهو مجال لا يمكن
تناوله بمعزل عن غيره من المجلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية… بل أكثر من ذلك، فلا يمكن تناول التخطيط
دون الخوض في غمار السياسة ذاتها، فلا قيمة فعلية لخطط نظرية تهمل الأداء التي تنقلها إلى واقع التطبيق
العملي… وإذا كانت مصر قد عانت خلال السنوات القليلة الماضية من حراك شعبي هائل، فقد صارت على أعتاب
مرحلة جديدة من تاريخها المديد، وهي مرحلة تقتضي الإعتماد على التخطيط القومي الشامل القادر وحده على نقلها
من الانحدار إلى النهضة، بعد عقود طويلة أهدرت في مغامرات ورطت مصر في رحلة من التيه ما بين اتجاهات
متباينة جعلت مصر تدور في دوائر مفرغة دون أن تتقدم للأمام، بينما تخطتها أمم كانت فيما سبق تتطلع بطموح إلى
سمو مكانتها… وهي أمم لم تبدد جهودها وثرواتها بسبب شطحات العقول الفردية لحكامها وبطانتهم، بل اعتمدت
على عقول جمعية خططت لمستقبلها بمعزل عن تقلبات السياسة وتبدل شخوصها…