تجنبت كاتبات السير الذاتية الثلاث توظيف بنية سردية استعادية متماسكة ومتواصلة في كتابة تجاربهن الحياتية، واستعملن عوضًا عن ذلك أسلوبًا سرديًا مرنًا ومتشظيًا إلى حد كبير، حيث جاء كل عمل مجزأ في فصول كثيرة وقصيرة، وأعطي كل فصل منها عنوانًا أو رقمًا خاصًا، يكاد يكون مستقلاً بموضوعه أيضًا، دون كبير رابط مع ما قبله وما بعده.
وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب المتشظي قد حدد من قبل بعض النقاد بوصفه سمة أسلوبية مميزة للسيرة الذاتية النسائية بشكل عام، أو بوصفه سمة من سمات ضعف المهارات السردية الفنية لديهن- كما أشرنا قبل قليل؛ يمكن فهم هذه الظاهرة وتفسيرها أيضًا في سياق تخوف هؤلاء الكاتبات من ظهور ربما فراغات وثغرات في سيرهن الذاتية لا يستطعن أو لا يردن- لأسباب عديدة- ملأها أو سدها، لو أنهن تبنين حبكة سردية متواصلة في كتابة سيرهن. فقد ساعد هذا الأسلوب المتشظي الكاتبات على انتقاء وانتخاب بعض التجارب والأحداث التي رأينها مهمة وملحة، وتفادين التجارب الأخرى التي قد يكون من شأن سردها إدانتهن دينيًا أو اجتماعيًا. وربما كان سبب هذا التشظي- أو على الأقل جزء منه- عائدًا إلى أن فصول هذه السير الذاتية ربما قد كتبت في أوقات مختلفة، ثم جمعت بعد ذلك في كتاب واحد، وقد يبدو هذا سببًا منطقيًا إذا أدركنا أن بعض هؤلاء الكاتبات قد كن يكتبن مذكراتهن ويحتفظن بها منذ سن مبكرة(12). كما أن جزءًا من هذا التشظي ربما كان عائدًا إلى طبيعة بعض التجارب المتشظية التي عاشتها الكاتبة نفسها، تقول الدغفق على سبيل المثال: (لكن دملة من الصراخ المتراكم في حنجرتي أرغمتني على أن ألملم شظايا تجربتي)(13).