التشكيلية المغربية كريمة مطيع تتحدى الإعاقة وتبحر في عالم واقعي معاصر
الرباط «القدس العربي» من محمد البندوري: رغم عامل الإعاقة البدنية الذي تعاني منه التشكيلية المغربية كريمة مطيع، إلا أنها استطاعت بإيمانها الراسخ وموهبتها الفريدة أن تصنع مساحة تشكيلية مائزة في عالمها الفني، لتدخل بها الساحة الفنية المعاصرة، بأعمال واقعية قوية تؤكد إصرارها على التحدي، وتشكل من خلال أعمالها للعالم روح الأمل وتفنيد كذبة المستحيل، بل إنها الفنانة التشكيلية التي تتميز أعمالها بالقوة التعبيرية الواقعية التي يلفها الأمل وعشق الحياة، فمجمل المضامين العميقة التي تشتغل عليها فنيا، تنصهر في سياق تجربة فنية واقعية معاصرة، تحمل في طيها جمال الطبيعة وجمال الحياة.
إنها روح تواقة للجمال بعطاءات تتحكم فيها التقنيات الجديدة التي تُبدي من خلالها تعبيراتها المتنوعة، فتجسد مختلف تصوراتها وأفكارها المتجددة، بتشكيلات دقيقة تروم الطبيعة أحيانا، وتروم القيم الروحية أحيانا أخرى. إنه تنوع في المادة التشكيلية وفق تنوع الفن المغربي وتنوع أساليبه وخصائصه الحضارية. وبذلك تلامس الفنانة التشكيلية كريمة مطيع مادتها الواقعية في نطاق تجربة تضطلع بتقاطعات جمالية تخصب المجال التشكيلي بجدليات مجموعة من المكونات الفنية التي تهدف إلى إرساء التخصص المبني على أسس واقعية وجمالية، غالبا ما تتسم بحمولة من المفردات الفنية النابضة بعناصر التجديد. وهو اختيار مسلكي في تشكيل المكان وجذب الرؤية البصرية، كما هو الشأن من خلال التعبير بعمق عما يكتنفها من انفعالات وأحاسيس إيجابية لها أبعاد جمالية وتضمينات واقعية وأسلوب خاص، يدل على إدراكاتها الفنية المتجددة التي تتبدى جلية في مختلف أعمالها التي تنبض بالحيوية، والتي تنبع من الأشكال التعبيرية ويعكسها ملمس الألوان، وملمح التموجات والحركات المتتالية، فتحدث أنغاما موسيقية تنسجم مع مجمل المفردات والعناصر المكونة لأعمالها. إنها سمات إبداعية في أعمالها الواقعية التي تشكل تدفق الحياة، وغارة الأمل الذي يتوج فلسفتها الذاتية تبعا لنسق تصوراتها التي تحمل ثقافتها بكل الامتدادات في عالمها التشكيلي المعاصر.
إن إمكانات المبدعة وتقنياتها المتميزة تؤهلانها لأن ترسخ تصوراتها في نسيج واقعي باستعمالات رمزية تحيل إلى التعبير بأسلوب تفاعلي تتحكم فيه القوة التعبيرية بدءا من عمليات التدبير الفضائي بكل يضمه من مستلزمات فنية، ومرورا بعمليات التشكيل المتنوعة، مما يخول لها أن تبتكر من الأسمال الراقدة أضواء لامعة في سماء الفن المعاصر وفق تجربتها المميزة. وهذا يؤكد لغتها التشكيلية ورسالتها التعبيرية الحابلة بالآمال والمدججة بالعوالم الجمالية ذات الصياغات الواقعية التي تشكل في معظمها وعاء ممتلئا بالأشكال والألوان لتنج خزانا من المعاني والدلالات. ولا شك أن هذه التجربة المليئة بالأحاسيس والمشاعر تتوفر على زخم من الرؤى الفنية العميقة المغازي، وهي تُشعر القارئ بأن الضربات اللونية والعلامات اللونية والطلاء اللوني في عمق العمل الواقعي، إنما هو نبرة تسطع بالحياة، وتُحيي الجمال في القلوب من خلال تسخيرها لجهاز مضاميني في تراسيم تشكيلية، حيث إن الحركات الغنائية ترسل نبراتها عن طريق الرؤية البصرية لتفصح بشكل تدريجي عن مجموعة من المضامين ذات الصيغ الجمالية، وتكشف في الآن نفسه عن هواجس المبدعة، وبذلك فهي تعبر المسافات بنوع من التبسيط المدجج بالحركات المتتالية، وبالصورة التعبيرية، وبالمعكوسات الضوئية، مما يجعل مجمل تشكيلاتها في حلة جمالية متكاملة، لتلامس بجرأة فنية روح المعاصرة وحداثة الأسلوب، بل وتجعل مادتها الواقعية متفاعلة أكثر مع الوجدان والروح، مما يتيح لها عبور المادة التشكيلية نحو نطاق الوجود الحسي والبصري بقدر عال من المهارة في التنفيذ، وتؤكد أهم مناحي الجمال في أعمالها الواقعية. وهو مسلك فني في تجربتها، تحرص على إيلائه أهمية من خلال توشيحاتها الجمالية المتوالية، لتجعل من تجربتها فسحة واقعية خصبة واعدة بالعطاء المتزايد القابل للقراءات وتعدد التأويلات.
التشكيلية المغربية كريمة مطيع تتحدى الإعاقة وتبحر في عالم واقعي معاصر