التشكيلي اليمنيّ زكي يافعي.. تأصيل للهُوية عبر مفردات الواقع
صنعاء «القدس العربي» من أحمد الأغبري: عَرضَ التشكيلي اليمنيّ زكي يافعي مؤخراً مجموعة من أعماله الجديدة في معرض ثنائي مع التشكيلية السعودية نوال السريحي، في غاليري (نسما) في مدينة جدة. قدّم يافعي 28 لوحة عكست ما وصلت إليه تجربته في المدرسة الواقعية، من خلال التصوير الزيتي، خاصة على صعيد العلاقة بالهُوية والمكان. توزعت أعماله ما بين لوحات الوجوه بخلفياتها المكانية وتفاصيلها الثقافية (الصنعائية) وبعض مناطق شمال اليمن، وبين لوحات المعمار بتفاصيلها (اليافعية)، نسبة إلى منطقة (يافع) في جنوب اليمن؛ وهي مسقط رأس الفنان.
الوجوه
في أعمال الوجوه اهتم الفنان بتفاصيل البيئة والثقافة التقليدية، من خلال إبراز ملامح الوجوه وسُحنتها والملابس وهيئتها؛ وهي الوجوه التي تنطلق منها المشاهدة لمعالم الخلفيات المعمارية والمدينية، حيث تتكشف الخصوصية التراثية والجمالية للمكان (صنعاء) وفق أبعاد مختلفة عكستها التباينات اللونية والاشتغال على معادلة الضوء والظل. ذلك من خلال فكرتين .. أولهما جمال الموروث اليمني من خلال إبراز الملابس التقليدية بانسجام مع الخلفيات المعمارية والمدينية التاريخية، وهو ما تؤكده – مثلاً – لوحة الرجل العجوز الذي يمشي حاملاً متطلبات معيشة عائلته، وهو يغدو نحو منزله، متمنطقاً الجنبية، وهي خنجر وغمد وحزام تقليدي يمثل جزءاُ من الزي التقليدي اليمني في بعض مناطق البلاد، على خلفية شارع الجامع الكبير وسط المدينة القديمة، من خلال إبراز المعطيات البصرية بدرجة لونية أكثر حِدة وبمستوى لا يمنحها المنظر الواقعي والصورة الفوتوغرافية؛ نجح الفنان في التعامل مع درجات الضوء والظل وانعكاساتهما على هيئة الرجل التي اشتغل على أدق تفاصيلها بتباين كشف خصوصيتها؛ وهو ما يتجلى بوضوح في ألوان الأكياس التي يحملها في يده وبدرجة لونية روعي فيها المستوى الذي يتناغم مع ألوان ما بداخلها. أما الثانية فتتمثل في إبراز المعنى الإنساني كتجسيد تعب الحياة وحكمة الزمن على ملامح الوجوه، وإظهار جماليات هذه الفئة العمرية من الناس، وفق رؤية يافعي، حيث مازال هؤلاء يواجهون ألم الحياة بأمل؛ ولهذا على ما يبدو أنه (أي الفنان) حرص على أن يقرأ المتلقي كل هذا في ملامح هذه الوجوه وما تبديه من تحدٍ وجمال.
المعمار
أما الأعمال المتعلقة بالمعمار، فتبدو من خلال مسقط رأسه (يافع). والعِمارة اليافعية تمثلُ نمطاً من أنماط العِمارة اليمنيّة؛ وهي عِمارة برجية لها خصوصية ثقافية وفنية، ويبدو أن اشتغال الفنان عليها يأتي تجاوباً لرغبته في إحداث توازن في أعماله المتعلقة بالمكان، حيث أن معظمها ينتمي لصنعاء؛ فجاء اشتغاله على العِمارة اليافعية ليحقق نوعا من التوازن في علاقته بالمكانين (الذي يعيش فيه والذي ينتمي إليه). في هذه الأعمال اشتغل على خصوصية العِمارة وجمالها، وحرص على أن يمزج في المناظر بين جمال الطبيعة الزراعية الخضراء وجمال البيئة الجبلية المحيطة وجمال الفضاء والسماء في الأعلى؛ فجاء المعمار ضمن هذه الثلاثية، زاهياً بحلة باذخة كأنه معزوفة من اللون والضوء.
الواقعية المُفرطة
ينتمي زكي لجيل من التشكيليين اليمنيين يُقال له جيل الوسط؛ وهو جيل أتى بين الجيل الثاني وجيل الشباب، ومن أهم ما يميز بعض رموزه هي علاقتهم القوية بالواقعية؛ في الوقت الذي تلقى فيه الواقعية انتقادات من بعض رموز الجيل الثاني؛ الذين يرون أن الفن التشكيلي تجاوز الواقعية، خاصة الواقعية التي تشتغل على الوجوه ومناظر الحدائق والمعمار والأسواق والأماكن العامة؛ فهذه المناظر كما يرون – يكفي أن نلتقط لها صورة فوتوغرافية، بينما التشكيل مهمته مختلفة؛ وهي إعادة صوغ وتشكيل الواقع وفق رؤية الفنان وموقفه الفني؛ وبالتالي فالانتقادات الموجهة للواقعية تقول إن فناني الواقعية التصويرية لا يضيفون شيئاً للمشهد أكثر مما تقدمه الصورة الفوتوغرافية؛ إلا أن زكي وزملاؤه يدافعون عن واقعيتهم؛ معتبرين أن علاقتهم بالواقعية ليست تصويرية؛ بل إن اختيار الفنان للمنظر يمثل موقفاً واشتغاله عليه يمثل توكيداً لموقفه، واختيار الألوان وطريقة تكوينها واستخدامها على السطوح، كلها مواقف تأتي من خلالها اللوحة بالمنظر مختلفاً عما هو عليه في الواقع، حيث يتدخل الفنان في تعامله مع التفاصيل تبعاً لرؤيته وما يريد أن يقوله من خلال لوحته.
يُصنف يافعي ضمن المتماهين كثيراً مع الواقعية؛ حدا يمكن تصنيفه ضمن ما يُعرف ب (الواقعية المُفرطة)، ووفق هذا التيار، يُفرط في تصوير المنظر الواقعي بطريقة يتجاوز فيها حدود الواقع الحقيقي نفسه، من خلال اشتغاله اللوني على التفاصيل وفق رؤيته وأسلوبه.