التعددية الابداعية فى اعمال جمال بكرى 10 من 16
قديماً قالوا ان الانسان إما سعيداً او يتفلسف، وحديثاً اقول ان ” الانسان إما قادراً علي المسئولية او يتحاور”.
ان البعد التراثي في الشخصية المعمارية لجمال بكري هو بعد مركب، مرئي علي مستوي التفاصيل احيانا ثم يتدرج ابعد من ذلك الي مستويات اعقد، علي مستوي الفكرة او التكوين او العلاقات الفراغية داخلياً وخارجياً.
ورغم استلهامه من مخزوننا الثقافي الذي جرى استهلاكه في مدارس عدة وتطبيقات متباينة من البعض” المتحفظ”، والذي من الجانب الاخر، قد يري كقيد للإبداع والانطلاق الحر في آفاق لم تطأها تخيلات من قبل من البعض” المتحرر”، الا ان في الشخصية المعمارية لجمال بكري اكتسب هذا البعد التراثي بصمة خاصة به فإمتاز بالوسطية المميزة بين اولائك وهؤلاء. ابتعد بمسافات طويلة عن النقل المباشر ” الآمن” للتفاصيل، كما انه لم يكن ” المنطوي ذاتياً” علي شخصيته الفنية، فإقترب من روح وشخصية المتلقي قبل ان يقترب منه علي المستوي الحسي للرؤية المباشرة.
مشروع مبني مكاتب شركة انبي، يقدم اوضح الامثلة لمفهوم التراث عند جمال بكري. منغلق خارجياً تماما ولكنه منفتح علي فراغ عمراني داخلي يصنع المدخل والفراغ الرئيسي للمبني في معالجة حديثة لفكرة ” الحوش” الواجهة ذات الفتحات القليلة المتناثرة، تتدرج فتحاتها وتتباين علي طبقات متتالية علي مستوي العمق حتي تصل الي الفراغ الداخلي للمبني، لتوجد تعبيراً جديداً يجسد فكرة ” البرقع” المتحفظ ولكن علي المستوي المعماري هذه المرة.
واجهة يحكمها انشائياً وتشكيلياً، مديول مميز مستقي من الاشكال الزخرفية التراثية، لتترك الحرية لخيال المتلقي بين تمثل اشكال النباتية الهادئة او بين تمثل اشكال نارية مشتعلة لتلتقي اخيراً مع وظيفة المبني وشخصيته كمنشأ بترولي.