التنمية ما بين التوازن والتكامل 4من اصل6
فحينم يتعلق الأمر بالأفراد، لا بد أن تبلغ عوائد التنمية كافة الطبقات الاقتصادية للحفاظ على السلما
المجتمعي… فإغداق التنمية على شرائح بعينها دون ضمان توزيعها على الجميع لا بد أن تتولد عنه
اضطرابات شعبية وسياسية على النحو الذي عايشته مصر في 2011 ولازال الكل يدفع ثمنها
على الرغم من ارتفاع معدلات النمو في الفترة السابقة… أما حينما يتعلق الأمر بتوازن التنمية
حجميا على صعيد الكيانات، فالأمر مختلف لتأثيراته المباشرة على ساحة الأعمال في الدولة، ففتح
المجال على مصراعيه لنمو الكيانات الكبرى دون الالتفات لسواها سوف يؤدي إلى توحشها
وابتلاعها للكيانات الأصغر فتتحول الكبيرة إلى كيانات عملاقة محتكرة للساحة بوسعها التحكم في
الأسواق وفق مصالحها وأهوائها في غيبة المنافسة الفعالة… بكل ما يحمله ذلك من سلبيات تغير
بعنف من تركيبة قطاع الأعمال وما ينجم عنه من تسميم لساحة الاستثمار وطرد للأغلبية في صالح
أقلية…
ولا بد هنا من عودة لقراءة الواقع المصري الراهن لفحص مدى استجابته لضرورات توازن
التنمية حجميًا بين مختلف شرائح الكيانات الاقتصادية، فالمتابع لما يحدث لا بد أن يلحظ أن الدولة
تصب عنايتها على الكيانات والاستثمارات الكبرى وبحد أقل للكيانات والاستثمارات الصغرى،
دون الالتفات للكيانات المتوسطة التي تعاني من إهمال شديد… فالدولة، حينما يتعلق الأمر
بالاستثمار العقاري مثلًا، تخصص الأراضي للشركات الكبرى التي تمتلك ملاءة مالية عريضة
وتقدر على الاضطلاع بالتنمية العمرانية لمئات الأفدنة، وتهتم بحد أقل بطرح أراض للأفراد، دون
الالتفات للشركات المتوسطة التي لا تقدر سوى على مشروعات لا تزيد مساحة أراضيها عن
بضع أفدنة أو بضع عشرات منها… تلك الكيانات لا تمتلك في هذه الحالة سوى الخروج من السوق
أو العمل من خلال الشركات الكبرى والخضوع لما تمليه عليها،