الجيش التركي يستعد ل «معركة عفرين»… تعقيدات دولية وتركيبة ديموغرافية وموازين عسكرية دقيقة
الجيش التركي يستعد ل «معركة عفرين»… تعقيدات دولية وتركيبة ديموغرافية وموازين عسكرية دقيقة
إسطنبول – «القدس العربي» : تتسارع التطورات السياسية والعسكرية المتعلقة بمدينة عفرين السورية مع تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن جيش بلاده الذي بدأ فعلياً منذ أيام بالتمهيد المدفعي سوف يهاجم الوحدات الكردية في المدينة «خلال أيام»، على الرغم من التعقيدات السياسية والعسكرية التي تحيط بالأوضاع في شمالي سوريا بشكل عام، الأمر الذي يعيد طرح التساؤلات مجدداً حول قدرة تركيا على تنفيذ هذه العملية.
ويجمع مراقبون على أن الأمر لا يتعلق بقياس القدرات العسكرية المباشرة بين الجيش التركي والوحدات الكردية في المدينة والذي يميل وبقوة لصالح الجيش التركي، وإنما يتعلق بالتعقيدات السياسية هناك لا سيما وأن الجيش التركي لا يمكنه الدخول برياً في مناطق جديدة شمالي سوريا من دون التوصل إلى توافقات دقيقة مع الأطراف الفاعلة هناك وخاصة الولايات المتحدة وروسيا التي تضمن ضمنياً إيران والنظام السوري.
وعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس لتجديد تهديده بقرب مهاجمة المدينة، وقال في خطاب أمام الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم: «اليوم، أو اليوم الذي يليه، أي خلال فترة قصيرة، سوف نتحرك نحو عفرين وبعدها نحو منبج لتطهير كامل المنطقة من الإرهابيين».
تعقيدات دولية
عندما أطلقت تركيا عملية درع الفرات ضد تنظيم الدولة في شمالي سوريا كانت قد توصلت إلى توافقات مع التحالف الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، واستمرت العملية وتوسعت بموجب توافقات مع الطرفين، أو أحدهما بالحد الأدنى، وذلك لضمان عدم الاصطدام بالقوى الكبرى في سوريا وهو الأمر الذي تتجنبه أنقرة، وبات من المسلم به عقب ذلك، أن تركيا تسعى لتكوين غطاء لأي تحرك مقبل من الطرفين أو أحدهما في كل الأحوال.
وفيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في عفرين، لا يبدو أن هناك أي أفق لتوصل أنقرة لحلول مع واشنطن في ظل استعداد الجيش التركي لمهاجمة حلفائها من الوحدات الكردية في المدينة، وعلى العكس تصاعد التوتر بين الجانبين بشكل غير مسبوق في الأيام الأخيرة عقب الكشف عن مخطط أمريكي لإنشاء «جيش حدود» من 30 ألف من الوحدات الكردية ينتشر على طول الحدود السورية مع تركيا وهو ما رأت فيه أنقرة تهديداً مباشراً موجهاً لها من قبل واشنطن.
وعلى الجانب الآخر، لم تبدِ روسيا حتى الآن أي موقف علني يظهر تأييدها أو معارضتها المباشرة لدخول الجيش التركي إلى عفرين، وعلى الرغم من أن وسائل إعلام تركية تحدثت قبل أيام عن أن موسكو أخبرت أنقرة بأنها لن تقف في وجه تحرك تركي من هذا القبيل، إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعا قبل أيام «لوقف العنف في عفرين»، وهو ما يزيد من ضبابية الموقف الروسي.
وفي هذا الإطار، تسعى أنقرة بقوة لاستغلال أمرين من أجل ضمان الدعم الروسي للعملية، الأول يتعلق بالمساومات بين أنقرة المطلوب منها ضمان الأمن في إدلب وتصفية جبهة النصرة تدريجياً، وبين موسكو المطلوب منها عدم إعاقة دخول الجيش التركي لعفرين، بينما يتعلق الأمر الثاني باستغلال أنقرة الرغبة المشتركة لروسيا والنظام السوري وإيران بإفشال المشروع الأمريكي الجديد من خلال إضعاف الوحدات الكردية وهو ما قد يدفعهم للموافقة على الطلب التركي بمهاجمة عفرين.
وحسب تقديرات نشرتها وسائل إعلام تركية، فإن قرابة 1000 من القوات الخاصة الأمريكية تتمركز في عفرين وعلى أطرافها، بينما يتواجد قرابة 100 جندي روسي أيضاً يقدمون التدريب للوحدات الكردية هناك، وهو ما يجعل من إمكانية التحرك العسكري بدون توافقات مع الجانبين الروسي الأمريكي أمراً بالغ الصعوبة. لا توجد إحصائيات دقيقة عن القدرات العسكرية التي تتمتع بها الوحدات الكردية في مدينة عفرين، لكن نقطة الضعف الرئيسية في المدينة هي أنها شبه معزولة تماماً عن باقي مناطق سيطرة الوحدات الكردية في شرق وغربي نهر الفرات، بينما يحيط بها الجيش التركي من ثلاث مناطق وهو ما يجعل من إمكانية حصارها أمراً يسيراً على الجيش التركي.
وحسب إحصائية نشرها موقف «خبر7» التركي، فإن التقديرات التركية تشير إلى أن المدينة تحتوي على 12 ألف مسلح من الوحدات الكردية، منهم 10 آلاف من تنظيم «ي ب غ»، و 1000 من تنظيم «ي ب ج»، و1000 آخرون من ما يسمى ب»قوات جيش الثوار».
وتمتلك هذه الوحدات أعداداً غير محددة من الدبابات والآليات العسكرية والجيبات المصفحة التي حصلت عليها سواء من النظام السوري أو من معاركها مع قوات المعارضة السورية وتنظيم الدولة، بالإضافة إلى الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها من الإدارة الأمريكية تحت بند الحرب على تنظيم الدولة، والاثنين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الوحدات الكردية حصلت على 4900 شاحنة أسلحة من الإدارة الأمريكية.
وكانت «القدس العربي نقلت، عن مصادر سورية قولها إن «الوحدات الكردية في عفرين تسلمت قبل نحو أسبوع شحنة صواريخ مضادة للطائرات، من الولايات المتحدة الأمريكية»، مشيرة إلى أنه تم تسليمها عبر معبر سيمالكا الحدودي الواصل بين إقليم كردستان العراق ومحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.
استعدادات عسكرية تركية
في السنوات الأخيرة عزز الجيش التركي تواجده بشكل كبير على طول الحدود التركية مع سوريا، وخاصة المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، ولكن في الأيام الأخيرة كثف الجيش التركي من إرسال أعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية إلى الحدود مع عفرين.
وفي تطور لافت، نشر الجيش التركي، الاثنين، منظومة «هوك» للصواريخ الدفاعية في محيط عفرين، وقال إن المنظومة المضادة للطائرات والصواريخ باتت تحيط بعفرين على مدى 40 كيلومتراً، فيما واصل الجيش التركي بناء تحصينات ترابية وإسمنتية، إلى جانب نشر أنظمة التشويش والمراقبة.
موقع «خبر 7»، قال الثلاثاء إن الجيش التركي قام فعلياً منذ 45 يوماً بعملية استطلاع واسعة في عفرين من خلال الطائرات بدون طيار والوسائل الاستخبارية وتوصل إلى تحديد 149 موقعاً في عفرين ومحيطها سوف يسعى إلى تدميرها بالمدفعية ومن الجو في المرحلة الأولى من العملية قبيل بدء الزحف البري، وفعلياً بدأ الجيش التركي منذ 4 أيام بتنفيذ ضربات مدفعية محددة ومكثفة ضد مواقع للوحدات الكردية في عفرين، وقال أردوغان إن هذه الضربات سوف تتواصل في الأيام المقبلة.
وبينما يسعى الجيش التركي إلى الاستفادة من نقاط المراقبة التي أقامها على الخط الحدودي بين عفرين وإدلب بموجب اتفاق مناطق «خفض التوتر»، يأمل في أن تشكل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري مع عفرين خط انسحاب للوحدات الكردية من المدينة التي يحاصرها الجيش التركي من ثلاثة محاور.
وعلى غرار عملية درع الفرات، سوف تشارك وحدات من الجيش السوري الحر المدعومة من أنقرة إلى جانب القوات الخاصة التركية في العملية البرية، حيث تقول مصادر صحافية تركية إن آلاف العناصر تلقوا في الأشهر الأخيرة تدريبياً مكثفاً في معسكرات للجيش التركي.
وقال أردوغان، الثلاثاء إن «العملية العسكرية على مواقع تنظيم «ب ي د/ بي كا كا» الإرهابي في عفرين ستكون بمشاركة المعارضة السورية، هذا النضال من أجلهم، نحن نساعد إخوتنا هناك من أجل حماية أراضيهم».
تقول أقرب الإحصائيات للواقع إن قرابة 500 ألف نسمة ما زالوا يعيشون في مدينة عفرين التي تتكون من تركيبة عرقية متنوعة، تقول مصادر تركية إنها تتشكل حالياً من 50% من العرب، و42% من الأكراد، و8% من التركمان.
هذه الأرقام على الرغم من أنها تُظهر وجود أغلبية عربية وتركمانية في المدينة، إلا أنها تُظهر أن المسلحين الأكراد يتمتعون بحاضنة شعبية وإن لم تكن أغلبية، ما يعني أن سيناريو انسحابهم من المدينة بسهولة في حال واجهوا هجوماً عسكرياً يبدو بعيداً، حيث يرجح مراقبون أن يخوضوا معارك عنيفة مع الجيش التركي لا سيما في الأحياء التي يتمتعون فيها بأغلبية وتشكل حاضنة شعبية لهم.