الحارات وحدة الخصام
ومع ذلك فلم تعرف حارة حدة الخصام كما عرفناها ، ولا فرق بين أبنائها النزاع كما فرق بيننا ، ونظير كل ساع إلى الخير تجد عشرة فتوات يلوحون بالنبابيت ويدعون إلى القتال. حتى اعتاد الناس أن يشتروا السلامة بالإتاوة ، والأمن بالخضوع والمهانة ، ولاحقتهم العقوبات الصارمة لأدنى هفوة فى القول أو فى الفعل بل للخاطرة تخطر فيشى بها الوجه. وأعجب شئ أن الناس فى الحارات القريبة منا كالعطوف وكفر الزغارى والدراسة والحسينية يحسدوننا على أوقاف حارتنا ورجالنا الأشداء ، فيقولون : حارة منيعة وأوقاف تدر الخيرات فتوات لايغلبون. كل هذا حق ، ولكنهم لايعلمون أننا بتنا من الفقر كالمتسولين ، نعيش فى القاذورات بين الذباب والقمل ، نقنع بالفتات ، ونسعى بأجساد شبه عارية. وهؤلاء الفتوات يرونهم وهم يتبخترون فوق صدورنا , فيأخذهم الإعجاب ، ولكنهم ينسون أنهم إنما يتبخترون فوق صدورنا .
نجيب محفوظ