الخزاف العراقي أكرم ناجي المخيلة وجاذبية البناء الجمالي

الخزاف العراقي أكرم ناجي .. المخيلة وجاذبية البناء الجمالي

الخزاف العراقي أكرم ناجي .. المخيلة وجاذبية البناء الجمالي

على قدر ما يفرض فن الخزف مهارةً وحرصا في تعزيز تكوينه الجمالي، فإنه في الأخير، يبدو كأنه في شك في إيصال دلالته التعبيرية، وهو أمر مفروض جراء تعدد مداخله البنائية وحساسية التعامل مع مادته، وضرورته التي تستدعي التحمس لحمايته من التلف والانكسار.
لكننا، ومع كل هذه الخصائص، ننشدُّ إلى جهة أكثر إيحاءً وحمولةً في تعبيريته وطبيعته التي لا تكف عن إبداء جوانبها الجمالية، وقدرتها من حيث التأثير في النفس. تلك الجهة التي أنوّه لها تكمن في مرجعيات هذا الفن القديمة، واستحضار فضاء الأشكال المعاصرة التي تبعد عنها رتابة العودة للماضي والخضوع لمعياريتها غير المتجددة.
فما الذي استحضره الخزاف أكرم ناجي عبر طاقته الفنية وهو يصر حتى اللحظة على تزويدنا بمنظومة من الأعمال الخزفية المميزة بدلالتها وإمكانياتها في تكوين فن قابل للتحول وممتلئ بشفرات وجهد بنائي يحسب له؟
التراكيب المتغيرة وأصولها البنائية  ما يحسب لهذا الفنان، في الحديث عن تجاربه مع عالم الخزف، يكمن في القدرة على تطويع المادة بطلاقة وقدرة تحيل فاعلية الشكل لأنساق خاصة به، وهو التصاق يقوم على التماهي بين روحية الفنان وحبه للخزف، مع دقة وحرص شديدين في تكريس هوية معينة ترشدنا لأسلوبيته. وبما أن مخيلته لا تكف عن تزويدنا بتراكيب متنوعة، فإن أصولها تلوح لنا بأنها رافدينية بالخصوص، شرقية التكوين في عمومها، وحيال هذه الجذور، يكون طابعها التأملي معتزا بمستوياته التعبيرية ووحداته العضوية، وخاصة ما تشكلت أعماله بصياغة فن أقرب للتجريد.
والملفت حتى في تجريداته التي تحمل الحروفيات، بأنها تفصح عن خطاب بصري متخيل يغري المشاهد بهندسة التكوين وطبيعة الألوان الصارخة فيه. والواقع أن يسترسل بالصياغة شكلا استثنائيا له من مقومات الفن والجمال، ما يجعلنا نتشبث بمعاينته من عدة جهات، ليس لأن التركيب مختلف في شروط هذا الفن الصعب، وإنما المساحة التي تبديها الأنساق الصورية هنا تندرج ضمن جذور تميل للبساطة والعفوية، ولا تلزمنا بالتغريب والغموض بلوازمها البنائية.
نعم هناك فارق في التحول، وهو يغوينا باتجاهه الأسلوبي، ولكن في الحقيقة ثمة ميول عاطفية تبعث على التمسك بكيانها. وهذه الميول هي ضرورة قابعة في أنماط أشكاله المختلفة، يتزود بها أكرم ناجي من مظاهر حسية الخزف وغريزته الملاصقة للإنسان، فهو يعطي الخزفيات إثارة الفكرة وقدسية المضمون. ولكن ثمة ما يشير لبساطة في الصياغة والمظهر، وهو تصور اعتمده هذا المبدع منذ زمن بعيد، بحيث تبيح خزفياته كل تمثيلها بالمعتقد والأصول لحساب الانفراد بالتجلي البنائي.
وهذا ما يولد لديّ شعور بأنه يستمتع بأبعاد الخزف التعبيرية ويقصي شوائبه بإرادة حية تجعل الموازنة قائمة بين الدال والمدلول، فلا توجد عقدة تلازم مظهر فنه إنما ثمة فكرة تنشأ بطريقة درامية يريد أن يحاكي بواعثها الحسية، بينما يداه تمسك بجذر الهيئات الشكلية المختلفة. فما الذي يجعله ينساق وراء هذه الطريقة مع كل هذا التعب؟
إنه التخطيط لنزعة الفن والحاجة إليه، بل والحفاظ على سماته وفرادته. وهو بهذا التصور جعلنا نحتفي به كما احتفى بأسلافه حينما سعى لتثبيت مقولة الأصالة والمعاصرة في العمل، واستمد من تلك الأعمال الخالدة تراثا مشهديا جعلنا نتحرر بفنه مما تضمره طروحات لا تفرض احتراما لمرجعيات الفن.
فهو يجاري ضرورة الفن وأمثولته الجمالية، بينما يحافظ في إنتاجه على ركائز منظومة زخرفية من تكوينات دائرية ومستطيلة، وأخرى تميل للمثلث بصياغة متنوعة ليرينا القدر في تركيز هويته ومطابقتها للخيال والإرث معا.
وظيفة الخزف جماليا  حينما نتحدث عن تنوع الأشكال والسمات التي تلازم بناءها، فهذا لا يعني إقصاء روحية ما تبتغيه من مؤشرات جمالية. علينا الاعتراف بأن غريزة الفن هنا تميل لحساسية تحاكي المغامرة وتتفاعل معها، وهذا ما يجذبنا لتأملها طويلا وفك شفراتها، لذا يجب أن نعي أن ثمة مسؤولية أخلاقية تكمن في مظاهر التعبير، فاللون الخاص وإيحاؤه يسيطران على الشكل في بعض الأعمال، وهذا ما يجعل العين تستجيب لندائه لتنتهي بنظرة خالصة تثيرها تركات التكوين وطرائقه. ومع كل هذه الهندسة في نشأة تلك الهيئات الخزفية، ثمة ما يدعونا للتساؤل “ما وظيفته الجمالية؟”
إننا نتلمس نزعة واضحة تبدي غريزة الاحتفاظ بالموروث والأصول، ونعثر أيضا على تقديس التعبير الخالص لهذا الفن مع فكرة العودة لقراءة التاريخ الإنساني  بكامل مراحله الأولى،  وخاصة ما تعلق بقيمه وطرائق معيشته وكيفية التفكير بالأشياء وما يحيطها.
وإذا كنا نشير لأهمية المنحوتات في العصور البدائية، فالكلام ليس منقطعا عن تركات الخزف القديم ورؤيته الجمالية.
الوسوم
مبدعون حوارات خضر الزيدي

m2pack.biz