الرجل ذو الذاكرة الحديدية

الرجل ذو الذاكرة الحديدية

2 من أصل 3

يبدو أن سر ذاكرة «ش» الاستثنائية كان في قدرته على خلق وفرة من الروابط البصرية وغيرها من الروابط الحسية المحفزة للذاكرة دون مجهود كبير، والتي ربما تكون مرتبطة بحسه المتزامن. كان هذا يعني أنه حتى المعلومات التي بدت مملة وثقيلة بالنسبة إلى الأشخاص الآخرين كانت تخلق بالنسبة إلى «ش» تجربة حسية حية متعددة الأشكال، ليس فقط من الناحية البصرية ولكن أيضاً – مثلاً – من ناحية الصوت واللمس والشم؛ وبالتالي استطاع «ش» أن يشفر ويخزن أي معلومة بطريقة مستفيضة وثرية.

قد يتخيل المرء أنه سيكون من الرائع التمتع بذاكرة شبه مثالية، مثل «ش». ولكن في حقيقة الأمر، يعتبر النسيان عموماً وسيلة تكيفية إلى حد كبير، حيث إننا (كقاعدة عامة) نميل إلى تذكر الأشياء المهمة بالنسبة إلينا، في حني تتلاشى الأشياء الأقل أهمية بالنسبة إلينا على الأرجح؛ لذا، فبصفة عامة، تميل ذاكرتنا إلى العمل مثل املنخل أو آلية الفلترة لتضمن أننا لا نتذكر كل شيء على الإطلاق. على العكس من ذلك، كان «ش» يتذكر كل شيء تقريباً على الأرجح، وأصبحت حياته بائسة إلى حد بعيد. بدت المشكلة الرئيسية بالنسبة إليه هي أن المعلومات الجديدة (مثل الثرثرة الفارغة من أشخاص آخرين) تحفز لديه تسلسلاً من روابط الذاكرة المشتتة للانتباه خارجاً عن السيطرة. في النهاية، لم يستطع «ش» حتى إجراء محادثة، ناهيك عن أداء عمله كصحفي.

مع هذا، انصرف «ش» إلى قوة ذاكرته كمورد رزق، فقدم عروضاً لمهاراته الاستثنائية على المسرح؛ أي إنه استغل قدرته لكسب قوت يومه. ولكنه واجه صعوبة بالغة في نسيان بعض المعلومات المجردة التي أعاد إخراجها خلال هذه العروض، مكتشفاً أن ذاكرته أصبحت تعج أكثر فأكثر بكافة أنواع المعلومات عديمة الجدوى التي لم يكن في حاجة إليها، ويفضل أن ينساها.

 

m2pack.biz