الروائي اليمنيّ بسام شمس الدين.. إن كتب الروائي في البلاد العربية على هواه فسيستكمل مسيرته إما في السجن أو المنفى
صنعاء «القدس العربي» من أحمد الأغبري: في روايته الخامسة «نُزهة عائلية»، الصادرة عن دار الساقي، قبل عامين، انفتحت تجربة الكاتب اليمني بسام شمس الدين (1978) على مرحلة مختلفة في علاقته بالسرد وتقنيات الكتابة، وقبل هذا بالقارئ حد تعبيره؛ وإن كان ثمة فضل لنجاح هذه الرواية؛ فهو في كونها دفعت مؤلفها ليتحرر مما اعتبره قيود الرقيب؛ قائلا ل«القدس العربي»، إن روايته الجديدة تمثل مرحلة جديدة في علاقته بالقيود ومعركته مع الرقيب. في هذا الحوار اقتربنا قليلاً من تجربته:
■ المتتبع لك منذ الرواية الأولى «الطاووسة» 2004 يجدك كأنك خضت مع الرواية مغامرة… كنت تطبع وتوزع لنفسك، كما لم تكن تهتم بما يقوله المتلقي، حتى جاءت روايتك الخامسة 2016 حصيلة تصاعد لافت، أكانت كذلك مغامرة؟
□ بدأت بكتابة الرواية متورطاً فيها؛ فأنا بدأت الكتابة بالشعر، وعندما قررتُ أن أكتب القصة القصيرة وجدتُ نفسي متورطاً في كتابة رواية. عندما بدأتُ كتابة الرواية الأولى كنتُ اعتزم كتابة قصة قصيرة، ولم أفكر أن أكتب عملا روائيا؛ لأن العمل الروائي يحتاج لنوع من التهيؤ النفسي والثقافي؛ لكن ما حصل هو أنني وأنا أكتبها حصل نوع من التداعيات التي دفعتني لمواصلة الكتابة؛ فكنت أكتب وأعيد وأفكر وأكتب حتى بدأت أفكر بتجربة خاصة.
■ هل أفهم أن إحساسك بذاتك الروائية تأجل للرواية الثانية؟
□ نعم؛ في رواية «الدائرة المقدسة» شعرتُ بذلك، وقد صدرتْ في أكثر من 500 صفحة، وكانت عن العهود السبئية في تاريخ اليمن، وكتبتها خلال عملي في مأرب، وهناك تأثرت كثيراً بالمكان. وجدتُ نفسي في بيئة أثرية وصحراوية مختلفة عن أجواء الطبيعة الخضراء التي عشتُ فيها؛ فشعرتُ بطبيعة المكان وبشخصيات الرواية تتحرك في مخيلتي وفي الأماكن المحيطة بي هناك، وشعرتُ برغبة جامحة للكتابة؛ حتى أنني كنتُ أكتب لبضع ساعات يومياً. كتبتُ هذا العمل، وكان عملا كبيرا، لكنني لم استلهم من التاريخ أي شيء سوى روح الزمن، كتبته بروح عصرية وبشكل حديث وخالٍ من البطولات. لكنني في الرواية الثالثة» هفوة» لا أعرف، ربما بسبب ظروف العمل، فقد كتبتها مقتضبة مقارنة بالرواية السابقة.
■ لكن بعد «هفوة» جاءت «لعنة الواقف» متطورة حتى قد نعدّها انعطافة في تجربتك؟
□ لعل السبب في ذلك هو فوزها بجائزة دبي الثقافية للإبداع، ذلك الفوز عزز ظهور وانتشار الرواية بين الأصدقاء ولقيت استحسان القراء، ولعلها كما قلت أنت مثلت انعطافة في تجربتي.
■ ولهذا يبدو أنك، من خلالها، شعرت بمسؤولية أكثر إزاء الكتابة، وهو ما تجلى واضحاً في روايتك الخامسة؟
□ لا شك في هذا، واعتقد أن أي كاتب كلما تنامت تجربته شعر بالقلق والمسؤولية أكثر، لكن لا اعتقد أن الجائزة أثرت كثيراً، وإن كانت تمثل إضافة للكاتب الى حد ما.
■ لكن هناك مَن يكتب الرواية وعينه على الجائزة ما يضطره لأن يكتب وفق معايير الجائزة وأحياناً وفق اشتراطات الترجمة؟
□ الكاتب الذي يسعى وراء الجوائز اعتقد أنه يتعثر كثيراً في مسيرته الإبداعية؛ لأنك عندما تكتب عن سبق إصرار وتحسب ستأتي أعمالك مصطنعة، وعندما تكتب ما تشعر به والعالم كله خارج حساباتك تأتي أعمالك مختلفة ومتميزة. اتفق معك في أن الجوائز تؤثر سلباً على الكاتب، لدرجة أن هناك من الكُتاب مَن يحذف أجزاء من عمله لأجل أن يتكيف مع شروط الجائزة. في البلدان التي مازالت تعاني من قمع الكلمة وغياب الحريات، وتحكمها تصورات نمطية عن الكتابة، تعاني الكتابة فيها بما يشبه آلام الولادة، والكاتب يبقى خائفاً لا يكتب بحرية، فهو يكتب وفي ذهنه أنه سيكمل روايته الأخرى في السجن أو في المنفى، وهذه مشكلة كبيرة.
الرقيب
■ في أي من أعمالك تحررتْ، من الخوف من الرقيب؟
□ اعتقد في أعمالي الأخيرة التي لم تطبع بعد؛ لأنني، في الأخير، أطلقت العنان لأفكاري، خاصة بعد صدور رواية «نُزهة عائلية». أصبحتُ بعد تلك الرواية أفكر بالكتابة بمستوى يناسب الحياة، كتابة متحررة من القيود، خالية من الجمود، ولا تخضع لأي معايير ضيقة.
■ ما الذي أسند خصوصية تجربتك في رواية «نُزهة عائلية»؛ فقد جاءت مختلفة كلية عن رواياتك السابقة؟
□ كانت تجربة جديدة؛ لأنها كُتبت عبر ورشة في بيروت، واستفدتُ كثيراً من الملاحظات فيما يتعلق بالتقنيات النوعية للكتابة. لقد فتحت لي هذه الرواية آفاقاً لمرحلة أكثر انفتاحاً على الكتابة المنفتحة على ذاتها؛ وهي الكتابة بلا قيود. كتبتُ «نزهة عائلية» في ورشة، وكانت هناك معايير وملاحظات المشرفين وحتى الدار الناشرة تفرض معاييرها. وهو ما جعلني أؤمن تماماً بأن نجاح الكتابة مرهون بحرية الكاتب وتخلصه من هيمنة كل القيود.
■ هل أفهم أن تحررك من كل القيود هو أنك تحررت من كل (التابوهات)؟
□ أنا لم أتحرر من كل التابوهات، لكنني آمنت بأن على الكاتب أن يكتب ما هو مقتنع به. على الكاتب أن يكتب بدون أن يهتم بإرضاء القارئ، أو أن يكتب ما يثير زوبعة يحظى من خلاله بشهرة ما؛ لأن هذه الشهرة غير طبيعية؛ أي أن على الكاتب أن يكتب ما يرتضي كتابته، حتى لو لم تنشر روايته.
■ نتوقف قليلاً عند «نزهة عائلية» وتحديداً عند مشهد الدماء في آخر الرواية التي عالجت من خلالها مشكلة بلدك مع الأعراف بين الريف والمدينة. لو تأجلت كتابة تلك الرواية إلى الآن؛ هل كنت ستكتب الرواية نفسها مع الواقع الجديد؟
□ لا أعرف كيف سيأتي شكلها لو أنني كتبتها الآن، لكني في عام 2013 رسمت مخطط بناء الرواية وخطوطها العريضة، ورسمت نهايتها في ذهني ومضيتُ أكتبها قبل أن تدخل القبائل صنعاء، ويتم كسر كل هذه الحواجز ويتم اقتحام المدينة. أنا تحدثتُ فيها عن أن هناك صراعا بين الريف والمدينة، وأردتُ أن أقول: لو اهتمت المدينة بالريف ربما لم يحصل ما حصل عندما اقتحموا المدنية وسالت تلك الدماء. لكن الواقع في اليمن حالياً يقف وراءه وضع مختلف تماماً، وما طرحته في الرواية هو رمزية بسيطة؛ فأحيانا تأتي في الروايات شذرات عن المستقبل لا أقول بهذا إن الكاتب منجم أو عراف، كما أنه ليس بالضرورة أن تتطابق الرواية مع الواقع. أعتقد أن الكاتب يكتب الرواية بدون وعي ومن منطلق فكري كامن في أعماقه، ويُستحسن ألا يتدخل بأفكاره الخاصةّ، بل عليه أن يدع شخصياته تتحرك وفق إطارها.
■ وهل لهذا السبب نجدك لا تتعاطف مع أبطالك، فالبطل مكمن سر الرواية وحامل الرسالة فكيف تتركه ضعيفاً… أتحدث هنا عن (مأمون) في «نزهة عائلية»؟
□ «مأمون» كان سيموت في نهاية الرواية؛ إلا أنني تنبهت للأمر، فاتصلت بمشرف ورشة كتابة الرواية في بيروت جبور الدويهي، وقلت له إنه من غير المعقول أن يموت البطل في نهاية الرواية؛ فوافقني؛ إذ كيف سيتلقى القارئ موت البطل بهذه السهولة؛ ولهذا أنقذته من خلال وضع الأحجار في صدره، التي أعدها لكي تضمن له موتاً أكيداً في البئر؛ فاذا بها تنقذه حيث مرت سيارة أعدائه فأطلقوا عليه الرصاص؛ فنجا من الموت بسبب تلك الأحجار.
زخم السرد
■ لا تُحافظ في روايتك على قدر معقول من استقامة زخم الحدث؛ فأحياناً تصعد به وأحيانا يخبو ويسود جو من الرتابة لمساحة قد تكون كبيرة.. هل تستهدف هذا؟
□لا أدري، ربما أنني أشبه طبيعة بلادي في كتابتي السردية؛ فالطبيعة في اليمن سهول وجبال ومنخفضات ومرتفعات… وربما لأن الحدث يحتاج في بعض المحطات توتراً وحماسة وبعضها يحتاج نوعاً من الهدوء السردي، وإن كان هناك كتاب يحرصون على المحافظة على الحماس السردي ليبقى معه القارئ متيقظاً، خاصة بعض كتاب الرواية الروس.
■ لاحظتُ في سرديتك الروائية، خاصة في بعض المشاهد، نزعة مسرحية في اشتغالك على التصوير… كيف تقرأ ذلك؟
□ بعض من قرأ أعمالي قالوا هذا منوهين بما فيها من رسم وتصوير للمشاهد بروح مسرحية، ولهذا يقال إن تحويل أي من أعمالي للدراما لن يحتاج جهدا كبيراً، وسبق أن قال عن ذلك عبد العزيز المقالح. وربما يقف وراء ذلك إحساسي العالي بالمكان، وكل ما يحيط بشخوص الرواية؛ فأنا ربما أتماهى مع تلك التفاصيل، كما أتماهى مع الشخوص؛ فأمنحها حقها من الروح لأنها، في الأخير، جزء وجزء مهم من السرد.