الشعر السياسي في العصر الجاهلي
خضع الناس في العصر الجاهلي، لنظم المجتمعات القبلية وسياستها، وهي نظم معروفة متفق عليها بين القبائل العربية رغم اختلافها وتعددها، وهي على هذا التوافق تتمتع كل منها بما يميزها ويفردها من صفات وعادات، وكان لكل قبيلة منها شعراء يتغنون بأمجادها، ويفاخرون الآخرين بالانتساب لها، ويجابهون أعداءهم بسياط لسانهم ذودًا عنها، لتتشكل الملامح الأولى للشعر السياسي في العصر الجاهلي، ولعل من أبرز هؤلاء شعراء السياسة الجاهليين، حسان بن ثابت الذي كان من شعراء قبيلة الخزرج في الجاهلية، ومن قوله:[١]
إنّا سألت فإنا معشر نجبٌ
الأزد نسبتنا والماء غسان
شمّ الانوف لهم مجد ومكرمة
كانت لهم كجبال الطود أركان
ومقابل ما يقدمه أهل القبيلة وشعراؤها من مفاخر بها وحماية لها، فإن القبيلة تتعهدهم بالحماية ولم شتاتهم، وإيوائهم في سرب متكاتفين، وهي لهذا تمتلك أنظمة صارمة لا تسمع لأفرادها بالخروج على أنظمتها ومخالفة قواعدها وقوانينها، إلا أن صرامتها وتكاتف أهلها، لم يكن ليمنع من حدوث شذوذ عن أنظمتها وتمرد على تقاليدها والتحزب ضدها، كما هو الحال مع كثير من شعراء الصعاليك، الذين تبروا من عائلاتهم وعشائرهم، لا بل واستبدلوا بهم قومًا آخرين مثلما حدث مع الشنفرى حيث قال:[٢]
أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ
وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ
وقد بدت خصائص الشعر السياسي في العصر الجاهلي، قائمة على أنظمة الشعر التي كانت شائعة في ذلك الوقت، إضافة إلى ما توشحت به من أنظمة القبيلة وقوانينها، فكانت أشعارهم قائمة على المفاخرة والمهاجاة، وتتسم بالذاتية في معظمها.