الشفاهية الإلكترونية
ومتغيرات الهوية
1من اصل2
د. علي محمد رحومة: ليبيا
تطرح الشفاهية الإلكترونية، بمختلف مظاهرها التعبيرية المقتضبة المتشظية في عالم الشبكات الحاسوبية، أسئلة متعددة حول التوجهات الحضارية الإنسانية الحالية بين التقدم والتراجع..
أهو تقدم حضاري في موجة جديدة، أم هو انحسار ثقافة البشرية التي تنزع نحو استثمار طاقات اللغة الكامنة وراء الفعل الكتابي التدويني الذي هيمن بصورة أو بأخرى على المنتج الثقافي الإنساني منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ماضية؟ الآن، نحن، حضاريًا، في مفترق طرق ثقافة، أي في مفترق طرق (هوية).
الهوية البشرية في حقيقتها، تركيبة هويات متكاملة في حياة الكائن الإنساني، فهي تمثل فيزيائي مادي بيولوجي، وهي أيضًا تمثل معنوي ذهني نفسي، تجتمع في مفترق طرق للذات الإنسانية، إذ تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، متوارثة، متماهية، في الأزمنة التي يمكن أن يعيها الإنسان في وعيه وثقافته وحركة حياته. إنها بنية من التاريخ القديم والحديث المستمر في أبعاد الحاضر والآتي. من ثم، قد تتجسد الهوية محليًا، وقد تمتد كونيًا، كإنسانية بشرية عامة، تميز الكائن البشري عن غيره من الكائنات والطبيعة من حوله. تبدأ به كفرد، عيني، له شكله وعقله ونفسه المحددة، ذاتًا في محل (أنا)، لتتسع ذاتا في محل “نحن” المجتمع، المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الكائن الإنساني الفرد. وبذا، يصبح لهذا الكائن بعده الإنساني المتنقل عبر المجتمعات أينما حل وهل.
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المعاصرة، أعطت للإنسان بعده الإنساني أبعد مما كان! غير أن هذه التكنولوجيا اللا متناهية في تطوراتها، أدخلت الإنسان في حالة من تشتت الهوية عبر وسائل منظوماتها الشبكية، وبخاصة شبكة الشبكات (الإنترنت)، التي فتحت عوالم بني الإنسان المحلية على مصراعيها، في هويات متقاطعة، على مستوى مكون الفرد (النفس)، والمكون الجماعي (المجتمع المحلي community)، ومجتمع الأمة (العقل الاجتماعي المحيط). فضلاً عن المجتمع الإنساني الشامل (النوع)..
دخلنا إذن، ما يمكن تسميته مرحلة (ما بعد الحداثة) المتشابكة.. حضارة ما بعد التكنولوجيا المعقدة.