الشفاهية الإلكترونية
ومتغيرات الهوية
2من اصل3
وهي بكل المقاييس ما بعد حداثات، متداعية، وربما ما بعد ما بعد حاثات..! قلبت المفاهيم، وغيرت المنظورات، وشتتت الأذهان في التعريفات والمسميات والمواصفات، في كل ما يدور حوالينا من أشياء. أصبح ثالوث الفرد –المجتمع-
الشفاهية الإلكترونية تمنح الأفراد الإنترنتيين كثيرًا من شعورهم بوجودهم العابر كهريات افتراضية وطبيعية في آن النوع، شيئًا آخر. كذلك، الجسد –الذات- الثقافة شيئًا آخر.. يكاد ينعدم الجسد نهائيًا في التواصل الاجتماعي الإلكتروني، ولولا الإحساس به، واستشعاره عن بعد، لما قلنا له وجود أصلاً! أصبحت الذات، سيدة المواقف، لكنها الذات المتفرقة غير المعرفة.. الذات المنتشرة، المقنعة، المتمثلة والمتجسدة بأشكال وألوان متغيرة متعددة في صور إلكترونية (طيفية، لا تكاد تستقر على حال). الأمر الذي ينعكس حتمًا على حركة الإنسان في بيئته المحلية. إنه حوار التكنو – اجتماعي المتداعي، هذا الذي أضحى حوار الصورة للصورة والرمز للرمز والإشارة للإشارة، واللحظة للحظة. هنا، نحن في اللا استقرار، أنا، أتنقل، أعبر.. أتماهي، وأتعين.. وأتكاثر، في آن! يبتدئ التنقل لينتهي سريعًا ضمن فترة زمنية قصيرة.. لنسمها ما شئنا، لكنها لحظة التمثل الموجز، والانطفاء! إننا كنوع بشري يعتمد في تجسده وتمثله على الثقافة، عدنا إلى مرحلة اللا استقرار، مرة أخرى.
لقد أمست ثقافتنا تتجزأ بصورة هائلة.. الثقافة في مخزونها كثراء للرأسمال المعرفي والتقني البشري، بدت تتناثر بفعل الرأسمال الطقوسي القيمي والمعاييري الذي تخلخل تمامًا، ولم يعد يربطه رابط قوي في المجتمعات البشرية الطبيعية بفعل إزاحة الحواجز فيما بينها وغمر الطوفان الإلكتروني المعاصر.
إذن، الرأسمال المجتمعي المبني على اتصاله الوثيق والتحامه بالذاكرة والتنظيم كموروث ثقافي إنساني، أخذ يتخلخل ويتغلغل في التلاشي، إن صح التعبير. ذلك أن الثقافة الأبستمولوجيا الحالية، كما يقول موروسيروتي (لا تأخذ في الاعتبار عمق التاريخ).